المآثر النفسية المكتسبة من الصيام

 

رحمة بنت منصور الحارثية **

** إخصائية نفسية

 

التهيئة النفسية للصوم تحتاجها الأسرة بجميع أفرادها. تهيئة الأبناء للصوم التدريجي بسن مُبكرة يُسهل عليهم الإقبال عليه بنفس راضية مُتقَبِلة مُقْبِلة.

فعبارة "اللهم إني صائم"،  كفيلة بأن تُحفز الشخص على أن يمسك مشاعر الغضب ويضبط انفعالاته ويتغاضى عن الدوافع التي تستثيره لتهدأ نفسه. وهناك فوائد عديدة للصيام؛ منها أن يكتشف الفرد قدراته للتحمل وأن لديه هدف يسعى له، وشحذ الهمة والطاقة، والمبادرة، والشعور بوحدة التماسك بأن الجميع صائم معه، والإحساس بالآخرين، والالتزام، والمثابرة، وجهاد النفس، والإرادة، والعزيمة، والمواظبة ، والمقاومة، وقوة نفسية، والصبر، وقوة جسدية، والتخلص من الخمول، والتحكم في غريزتي الجوع والعطش، والشعور بالاكتفاء، والقناعة، والرضا، والإيثار وغيرها. إضافة إلى الخلوة النفسية أثناء الصيام التي تعمل على تصفية وفلترة النفس للتخلص من شوائب الفكر وبراثن الهمّ وبقايا آثار المواقف والأحداث التي تجتاح النفس، ليحل محلها السلام النفسي والتريث في اتخاذ القرارات.

إنَّ الصوم يعمل على صقل تقوى النفس، والتقوى هي عبارة عن سلوك والتزام فردي تجاه الله سبحانه وعباده، وتتجلى التقوى في أسمى صُوَرِها في تصرفات الفرد وأعماله وأقواله؛ كأن يلتزم الشخص مع نفسه بأن يتبع ما أمره الله من صيام وقيام وعبادة ومكارم أخلاق وعطاء، ويتجنب نواهيه من طعام وشراب وغيره، حتى يُؤدي العبادات بنفس وجوارح خاشعة مُؤمنة محتسبة لبلوغ منزلة التنافس بأسمى معانيه. 

ويتقي الفرد الله بالسيطرة على الحواس؛ لتكون له وقاية وحضورًا لنفسه أمام العواصف التي تشتهيها النفس أين ما كان متواجداً وفي الصيام تتجلى تلكم الصفة بامتياز.

إنَّ الصوم مدرسة نفسية للفرد، والصوم ركن أساسي من أركان الإسلام، ومدة دخول المدرسة النفسية للصيام شهر واحد، وتُدرِس منهجًا ينتفع به الشخص طوال السنة، وتوقيتها من طلوع الشمس حتى الغروب، ومن شروط التسجيل في المدرسة النفسية للصوم: المكلفون بالصيام باستثناء من لديهم أعذار ورُخص. ويُسمح بدخول الصغار كتدريب تدريجي لهم واستعداد نفسي. وقواعد الصوم هي الإمساك عن الطعام والشراب وغيره، إضافة لصوم الجوارح وصوم القلب.

أما مزايا الصوم فهي عديدة؛ ومنها: يقظة الضمير ومُراقبة النفس والانضباط السلوكي، وإخضاع الجوارح للمقاومة ضد العادات السيئة والسلبية، وإيقاظ ينابيع الرحمة، وتوازن صحة الجسد والنفس.  وإذا غاب الإخلاص في أداء الصلاة تصبح أداء نشاط حركي بدني، وإذا غاب الإخلاص عن الصوم تحول إلى إحساس بالجوع والعطش وحمية غذائية فقط. وإذا غاب الإخلاص في أداء الحج أصبح كسفر اعتيادي. وإذا غاب الإخلاص عن الزكاة تحولت إلى هدية.

وتكمن خيرات عديدة في الصوم لقوله تعالى: (وَأَن تَصوموا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ) ولقول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم "مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تَقَدَّمَ من ذنبه".

إنَّ فضائل الشهر الفضيل من غير الممكن حصرها في سطور؛ فالصيام فرصة تجديد نفسي وجسدي يرتفع بها الفرد إلى مراتب نقاء النفس والبصيرة. وتقبل الله طاعاتكم ودمتم بنفوس مستقرة.

تعليق عبر الفيس بوك