الضغوط الجديدة داخل المنطقة الاجتماعية

 

د. عبدالله باحجاج

كيف يُمكن توصيف مرحلتنا الوطنية الراهنة؟ من الأهمية الظرفية، إعلاء قضية التوصيف الاهتمام المحوري، وأن يكون معلوماً بالضرورة عند كل مصانع القرارات الوزارية والعمومية، ورغم أنه- أي التوصيف- معروف بذاته، إلا أنه يحتاج للمسار التطبيقي، وكأن هناك إشكالية كبيرة بين الوعي المعرفي ونظيره التطبيقي، وهذا ما يقف وراء الغاية من هذا المقال، وهي غاية وطنية بامتياز.

من المعلوم، أنَّ بلادنا في مرحلة انتقالية يغلب عليها الصفة المالية الضاغطة على المُجتمع، مدتها أربع سنوات، بهدف صناعة الاستدامة المالية لموازنة الدولة من خلال الضرائب والرسوم، وكذلك إعادة النَّظر في الدعم الحكومي بشكل جذري، والكل يسلم بآلامها الاجتماعية.

ويظل الأمل قائماً في الانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجي، خاصة وأنَّ بلادنا تتمتع بمقومات اقتصادية واعدة ومتعددة لقيام هذا النوع من الاقتصاديات، وهذا رهان من رهاناتنا الوطنية التي نعول عليها في التخفيف من التأثيرات الاجتماعية للضرائب والرسوم، لكنه للأسف لم تنطلق مسيرته بالصورة المتوقعة حتى الآن.

والتساؤل العقلاني الذي نود أن يشغل الاهتمامات العامة الآن: يدور حول هذه المرحلة الانتقالية، فهل ينبغي إضافة ضغوط فوق ضغوطها البنيوية العميقة؟ أم العمل على التخفيف من تلكم الضغوط البنيوية؟ لو أعملنا الفكر قليلًا في تحليل انعكاسات الخيارين سالفي الذكر على المُجتمع، فستتضح غايات ذلك التساؤل العقلاني، فكلنا يعلم مآلات توالي الضغوط، وتراكماتها، والعلم نفسه، بالمآلات الناجمة عن تفرغ العمل المؤسساتي على تجويد الخدمات، وجعلها في متناول طالبيها لدواعي كسب الرضا الاجتماعي، وللتخفيف من حدة ضغوط المرحلة الانتقالية وليس العكس.

هذا يعني من حيث المبدأ، أنه ينبغي أن يكون الفعل المؤسساتي متجانسًا مع هذه المرحلة الانتقالية حتى نتحكم في الفعل المنتج لردود الأفعال، فمن حيث المبدأ، فإنَّ لكل فعل عام أو خاص، ردود فعل اجتماعية.. وقوتها ستختلف حسب قوة الفعل، والسياقات التي تتخذ فيه، وهكذا ينبغي توقعها خلال المرحلة الانتقالية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الضغوط المجتمعية المعيشية من جراء تلكم التحولات المالية القاسية.. إلخ.

فمنطق المرحلة الانتقالية التي تحكمها خطة التوازن المالي بسنواتها الأربع، ووفق شروحاتنا سالفة الذكر، يعطينا النتائج التالية:

-    الإصلاحات العميقة التي تمس المنطقة الاجتماعية خلال سنوات المرحلة الانتقالية، على الأقل السنتين الأوليين، سابقة الآن على الإطار الزمني.

-    إقامة إصلاحات تأسيسية لمرحلتنا الوطنية الدائمة، خلال المرحلة الانتقالية- الاستثنائية - بظروف تأثيراتها الاجتماعية البنيوية، من شأنها أن تُعمق هذه الظروف، ولن يقوى المجتمع على تحمل تبعاتها.

-    التداعي السيكولوجي المُجتمعي سيكون سابقًا على تأثيراتها المادية على الأوضاع الاجتماعية، وهذه نتيجة طبيعية؛ نتيجة حالة القلق التي تتأسس داخل المرحلة الانتقالية، وقد رأينا ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتثور تلكم الإشكاليات في حالة إذا ما كانت الإصلاحات الجديدة، تنتقص من حقوق اجتماعية أو سحبها، مهما كانت مبرراتها الإصلاحية؛ لأنَّ سياقاتها الزمنية والمادية غير مُواتية، كما شرحناها سابقًا، وهذا يعني أنَّه في حالة بلورة تصورات إصلاحية وزارية، ينبغي أن يحكم تطبيقاتها معياران مهمان؛ هما: الزمني، وهو السياق الذي تحدثنا عنه سابقا، ومعيار مدى تأثيرها في صناعة الهدوء وكسب الرضا الاجتماعي خلال المرحلة الانتقالية.

وهذا يفرض على الفاعلين من الوزراء أو المسؤولين العموميين الآخرين، ألا يتخذوا أية قرارات أو مسارات إصلاحية داخل الكيانات العامة التي يُديرونها، أو المساس بأية حقوق عامة خلال المرحلة الانتقالية، إلا بعد دراستها دراسة مُعمقة من كل النواحي، وبالذات من اعتبارين أساسيين، هما: سياقاتها الزمنية المواتية، ودورها في صناعة الهدوء المجتمعي، وهذا نوع من إدارة الظرفية الزمنية لمرحلتنا الانتقالية، وبالتالي، فمُراعاة التداعيات "المالية والسيكولوجية" الناجمة عنها تدخل ضمن سياقات إدارة المرحلة الانتقالية.

فهل يسود هذا الفكر عند مصانع اتخاذ القرارات والمسارات الإصلاحية في بلادنا؟ يبدو أنَّ بعض مصانع القرارات الوزارية تعيش في حالة سباق مع ذاتها لتقديم إصلاحات جديدة تدخل في المرحلة الدائمة، فهل هذا وقتها الزمني؟ كلنا تابعنا ردود الفعل الاجتماعية على بعض هذه المسارات، فقد أضافت احتقانات جديدة فوق تلك الناجمة عن منظومة الضرائب والرسوم ورفع الدعم.. إلخ، وهذا كله يحدث داخل المرحلة الانتقالية.

فلماذا لا تؤجل القرارات لمزيد من النقاشات المعمقة، ووفق المقتضيات الدستورية، ومن كل النواحي، وتطبق بعد المرحلة الانتقالية، أو عندما تستقر الأوضاع الاجتماعية، ويتنفس منها المجتمع، خاصة وأنها لا تدخل ضمن أولويات المرحلة الانتقالية التي يجب اتخاذها حتى تعبر موازناتها السنوية من منحنى عجوزاتها.

وهنا، لابُد من طرح التساؤلات التالية، لتوضيح الفكرة الأساسية من مقالنا:

-    هل المسارات الوزارية الجديدة المُثيرة للجدل اجتماعيًا، تحمل صفة الاستعجال حتى تصدر الآن في المرحلة الانتقالية؟

-    هل تمَّ دراستها بعمق، ومن كل النواحي، وخرجنا منها بخارطة ردود الفعل المُتوقعة؟

-    ولماذا يثور الجدال حول عدم شرعيتها الدستورية؟

-    وما هي الخلفية المعرفية لمصانع القرارات بالسيكولوجيات الاجتماعية وآفاقها المستقبلية؟

لن نُعطي أمثلة لبعض المسارات الوزارية المستهدفة هنا، لثلاثة أسباب: الحساسية المترتبة عليها؛ فالشخصنة تسقط في حالة جعلها ضمن سياقات النماذج التي يمكن الاستشهاد بها؛ ولأن هدفنا هنا التحكم في ردود الفعل الاجتماعية وعدم تعميق مخزونها التراكمي داخل المرحلة الانتقالية.. لذلك، ارتأينا توجيه الفكر العام بطبيعة المرحلة الوطنية الراهنة، وما يستوجب القيام به خلالها، وقد أشرنا إليها، بأنها مرحلة انتقالية ذات صبغة مالية غالبة، ومؤثرة بنيوياً على المجتمع، ومدتها 4 سنوات، وقد جاءت لتأخر مرحلة التأسيس لرؤية "عمان 2040".

فالأربع سنوات استثنائية، تمليها الظروف المالية، لذلك، كل فعل عام أو خاص يكون له تأثير على المجتمع، ينبغي أن يُدرس من منظور الاستثنائية الضاغطة على المجتمع، وإقصائها من الاعتبار يضيف احتقانات جديدة فوق التراكمات، وهنا الخطورة.

ونرى أنَّ الأولوية المؤسساتية الوزارية تنحصر خلال المرحلة الانتقالية في مسارين متوازنين؛ هما: التخطيط من الآن لتأسيس المرحلة الدائمة، ودراستها عبر جلسات عصف متعددة الأبعاد والخبرات، وتؤجل حتى يحين سياقها الزمني والوطني. والثاني: آنيٌ، ويتمثل في العمل لكسب الرضا الاجتماعي للخدمات الحكومية العامة بعد تحسين جودتها، وتبسيط إجراءاتها مع مراعاة الظروف المالية والاقتصادية والسيكولوجية الاجتماعية.. وهنا طبيعة السباق المؤسساتي المشروع؛ بل والوطني الذي ينبغي أن يشغل المرحلة الانتقالية. أما الانتقاص من الحقوق الاجتماعية إضافة إلى الأعباء المالية التي يُعاني منها المجتمع داخل المرحلة الانتقالية، فهذا يزيد الاحتقانات الاجتماعية، ويمضي باتجاه عكس صناعة الهدوء التي تستوجبها المرحلة الانتقالية، وتفرضها الاستشرافات المستقبلية التي لا يُمكن تجاهلها أبدًا.