◄ ملحمة متجددة من الكفاح والنضال بدماء الشهداء في فلسطين
◄ الوضع الراهن يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي هو الأشد وقاحة في التاريخ
◄ الصمود الفلسطيني نجح في زلزلة المحتل رغم فارق الإمكانيات
حاتم الطائي
يُسطِّر الشعبُ الفلسطيني المُناضل ملحمة مُتجددة من الكفاح والدفاع عن الأرض، ويخطُّ بدماء شهدائه الزكية فصلاً آخر من فصول مًواجهة العدوان، ومعركة الكرامة أمام عدو غاشم ومُتغطرس، لا يُؤمن سوى بعنصريته البغيضة، ولا يرى في السلام إلا الإذعان والخنوع، لكن هيهات هيهات.. فصمود الفلسطينيين منذ نكبة 1948- والتي حلَّت ذكراها الـ73 أمس- مُوثق في كتب التاريخ، ومحفوظ في آلاف الصور والمقاطع المرئية، إنِّها فلسطين الأبيّة التي وقفت صامدة في وجه كل اعتداء لم يرحم الأطفال الرضع، ولا النساء، ولا العجائز.
وما يحدث منذ 6 أيام في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، يُؤكد مدى الإباء وعزة النفس الفلسطينية في مواجهة الاحتلال المغتصب، وسط صمت دولي من مجلس الأمن، وضعف واضح من الاتحاد الأوروبي تجاه إرغام الاحتلال على وقف عدوانه، ودعم أمريكي مؤسف لا تخطئه عين، وسط جهود دبلوماسية عربية للحيلولة دون مزيد من الغارات الهمجية على غزة العزة. والمتأمل في المأساة الفلسطينية يُدرك بلا أدنى شك أنها واحدة من أشد المآسي الإنسانية في التاريخ الحديث، والأقسى على شعب عربي طيلة قرن منصرم، فرُغم ما تعرضت وتتعرض له أقطار عربية لنكبات وهزائم وحروب، إلا أنَّ القضية الفلسطينية ما زالت تشهد مأساة تلو المأساة؛ فانتفاضة أطفال الحجارة الأولى والثانية، وسلسلة الاعتداءات الغاشمة على غزة على مدى العقود الماضية، والمذابح القذرة التي نفذتها آلة الحرب الإسرائيلية، وسلسال الاغتيالات لقادة المقاومة، والحصار المتعمّد للسكان في قطاع غزة، والنهب الاستيطاني المتواصل منذ أن وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، والخطف والاعتقالات التعسفية، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم البيوت على قاطنيها، والمحاكمات الظالمة، والبطش بكل الوسائل، كل ذلك يؤكد حقيقة واحدة؛ وهي أن الشعب الفلسطيني الأبيّ أحد أعظم الشعوب المناضلة في تاريخ البشرية جمعاء، وأن كيان الاحتلال الإسرائيلي هو الأكثر خسة والأشد وقاحة في التاريخ.
فالصمود الفلسطيني ممثلاً في فصائل المقاومة، نجح في زلزلة المحتل رغم ما يملكه من قوة في العدة والعتاد، ولا عجب أن صواريخ المقاومة المحلية الصنع تُرعب المحتل حتى وإن لم تسقط مباشرة على مدن وبلدات الكيان الإسرائيلي.
ورغم ما مرَّت به منطقتنا- وما زالت- من متغيرات وثورات وسقوط أنظمة، وانكفاء الشعوب العربية على نفسها في ظل تفاقم أوضاعها المعيشية أو لنشوب حروب أهلية داخلية، إلا أن الواقع يؤكد أن فلسطين ما زالت قضية العرب المركزية، وأن حل هذه القضية هو الضمانة الوحيدة لإحلال السلام والاستقرار ليس في المنطقة العربية وحسب؛ بل في الشرق الأوسط والعالم بأسره، فلن يهنأ إقليمنا المضطرب طالما ظل يعاني من كيان سرطاني معتدٍ وغاشم، ولن نتمكن من بسط مظلة السلام دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق ما نصت عليه المواثيق الأممية ومقررات الشرعية الدولية. ما يحدث الآن في فلسطين، وما تشهده شوارع وميادين بعض الدول من تظاهرات مؤيدة للحق الفلسطيني ومنددة بالعدوان الإسرائيلي، فضلاً عما تضج به منصات التواصل الاجتماعي من مناصرة غير مسبوقة للقضية الفلسطينية، يؤكد بلا ريب أن النصر آتٍ، وأن العدالة ستسود يومًا، وإن طال انتظاره؛ لأن الحق أحق أن يُتبع، وعدالة السماء قادمة لا محالة، وأن الضمير الإنساني ما زال مستيقظًا وحيًا، حتى وإن ماتت أو غفلت ضمائر البعض، ممن باعوا أنفسهم وأذعنوا لمحتل غاصب.
وهنا أنتهز الفرصة للإشادة بكلمة السلطنة في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية قبل أيام، ففي خضم ما كان يتعرض له الأشقاء الفلسطينيون من عدوان غاشم، خرجت كلمة السلطنة على لسان معالي السيد وزير الخارجية، لتصدح بالحق ولتؤكد الثوابت الوطنية العمانية، وتبرهن على أن عُمان تقف قلبًا وقالبًا، قيادة وحكومة وشعبًا، إلى جانب الشعب الفلسطيني الأبيّ، "فقد بلغ السيل الزبى" ولم يعد الوقت يحتمل الكثير من المماطلة أو التسويف لاستئناف عملية السلام ومفاوضات حل الدولتين، وسُبل إنهاء الحصار الجائر على غزة، ووقف المشاريع الاستيطانية، والسعي الحثيث لوقف التعسف الإسرائيلي ضد السكان في القدس المحتلة والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وغيرها من الأراضي المحتلة، فالتنكيل على أشده، وعمليات التهجير القسري ينفذها الاحتلال تحت مرأى ومسمع من الجميع، فإلى متى سيظل المجتمع الدولي أخرسًا دون تحريك ساكن؟
لا شك أنَّ الجهود الدبلوماسية التي تقودها دول عربية، محل تقدير وإشادة، لكن يتعين على الفاعلين عالميًا أن يسارعوا لإنهاء هذا الوضع المأساوي الأسوأ على الإطلاق، وأن تُستأنف مفاوضات السلام على أساس المبادرة العربية ومواثيق الأمم المتحدة التي تعترف بالحق في إقامة دولة فلسطينية مُستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو 1967.
وختامًا.. إننا ندعو شرفاء العالم للتحرك الفوري والسريع لإغاثة الشعب الفلسطيني، ووقف عمليات التنكيل والتهجير القسري المُمنهج، والتحركات الإسرائيلية لتغيير الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس، حيث المسجد الأقصى المُبارك، في أسوأ عملية تغيير ديموغرافي.. كما نناشد المنظمات الدولية والحكومات ذات التأثير أن تواصل الضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على العودة لطاولة المُفاوضات، حتى ينعم الشعب الفلسطيني بحقوقه كاملة دون انتقاص، ويحل السلام في المنطقة.