بين تهاني العيد وإيقاع الزمن

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

العيد ذلك المعنى الأسمى والأعلى من كل وصف للفرح والسعادة والانشراح اليوم الذي يكون الشحيح فيه كريماً، ويكون فيه اللامبالي أنيقاً وجميلاً، اليوم الذي يبعث على التَّجمل بكل الشِّيم والمعاني الرائعة.. فيه العبادة، وفيه التباهي بالسلاح والفنون، والزيارة والسلام، وفن الموروث الشعبي في أحلى أوصافه الراقية، صورته وتقاليده لم تأتِ في لحظة أو حتى بفكرة؛ بل تأخذ شهوراً وأياماً على أمل الفرح والسعادة.

ولأنه كذلك فإنَّ انتظار الأيام لا يُترك للمُفاجآت، والتي قد لا تكون بمستوى الطموح غير أنه محدد لضمان الفرح والسعادة مهما كانت الظروف ولذلك تراكمت تقاليد مظاهره مع الأيام وتمَّ البناء عليها بتقاليد رصينة بين الأحفاد والأجداد حتى وصل الجميع إلى ذلك الاقتناع بأن هذا العيد الذي نريد.

وبعد كل ذلك، دعوني أتحدَّث اليوم عن أمر في غاية الأهمية؛ فلعله يُنبه لجوانب أخرى غير العيد من حياتنا، فإذا كان ما ذكرت جرت صياغته بين بني المجتمع الواحد واتفقوا ورضوا به، إذاً هم فكروا وأبدعوا وناقشوا وسايروا ما يناسب العصر ويسايره حتى في أدق التفاصيل، ومنها طريقة إعداد الطعام في كل يوم من أيام العيد، كذلك الفنون المختلفة، وحتى الزي والملبس للرجال والنساء ومعارق الخيل، فهل الفارق بين الأيام الماضية واليوم يصل إلى المقارنة بين مُبدع ومُقلد؟ وهل الأمر يعود إلى حاجة النَّاس لبعضهم عبر الأيام؟ أم أنَّ هناك فلاسفة ومن في مستواهم والناس لهم مصدقة ومستمعة وفقدناهم في هذه المرحلة؟ هل هناك من تعمق في الأمر ليرى كم نحن اليوم ننساق وبقوة نحو التقليد وليس الإبداع؟ وهل هناك من تعمق أكثر وأكثر ليرى إلى أين يمكن أن يقودنا هذا الطريق في الدين والخلق والعادات والكثير من الخصوصية العمانية والعربية والمسلمة؟ وكذلك فإنَّ الخوف الأكبر من الاعتقاد أن العالم الافتراضي وصل إلى مرحلة تعميق صفته إلى أن وصل إلى الخلط بين حقيقة الحياة ومثلها وبين العالم الافتراضي؟ وإذا كان كذلك فمن هو المعني بالأمر؟ أم أننا سنعود لإقناع أنفسنا بأن كل شيء يجب أن يقوم به أحد إلا أنا؟

وقبل أن تُؤثر الجائحة الحالية على مظاهر العيد وغير العيد، بدأ الكثير من الموروث الشعبي بالتلاشي في مثل هذه الأيام، دون أن يكون لنا رأي... كان العيد يوم فرح بمعنى الفرح، كان مشاركة، كنتَ بعد الصلاة تنظُر إلى يمينك فترى الابتسامة على مُحيَّا من تنظر إليه، وكذلك عن شمالك كانت الدنيا صعبة ومُرهقة، ومع ذلك فإنَّ البشر في فرح، وقد لا يملكون قوت يومهم كانوا يمشون الكيلومترات على الأقدام، وكنت ترى جمال الوجوه تنطق بالسعادة، واليوم وصل التباهي إلى كل شيء، إلا بما لا يُحقق الفرح، وفرض واقعاً آخر بملبس جديد وقلوب ساكنة..

التغيير فرض نفسه في كل شيء واختفى الكثير، وإني أعتقد جازمًا أنَّه لو كانت هناك مناسبة للعيالة أو البراعة أو أي فن من فنون عمان الأصيلة، لرأيت عدداً قليلاً جداً من يُشارك فيها، أما الأغلب فإنِّه سيكون مع مجموعة المشاهدين!!

نعم.. أنا واحدٌ من المدركين والمطلعين أن وقع الزمن وتغيراته تفرض الكثير، ولابُد من قبول الكثير، ولن يبقى أو يستمر الزمن على شاكلة واحدة، غير أنني أنبه لأمر أكبر وأبعد رؤيةً؛ وهو أن الكثير من حضارات البشر ودوله تحاول دوماً- وبطرق فلسفية وعلمية- أن تُبقي على أثرها وبصمتها التي تعرِّف بها الدنيا وتختص بها وتسعد وتفتخر بها، وأن تكون في مكان الإبداع، ولا تقبل أن يفرض عليها الكثير.

وأخيرًا.. أحبتي الكرام جميعًا، ومع كل ما هو سلبي من جائحة كورونا، فهل نجعلها وقفة لإعادة النظر والتفكير وتحويلها إيجابًا لتحقيق الكثير مما نتمنى للمستقبل؟

عيدكم سعيد وأيامكم من جميل إلى أجمل بتوفيق من الخالق عزَّ وجلَّ.