العرب.. غزة.. ريال مدريد!

 

يوسف عوض العازمي

alzm1969@

 

"سيأتي يوم على هذه الأمة، وتصبح فيه الخيانة وجهة نظر"، غسان كنفاني.

-------

جهزتُ مقالًا يتحدث عن كتابٍ تاريخي، كنت قد أنجزته ونويت إرساله للصحيفة، ثم توقفتُ قليلًا وتساءلت: هل هذا وقت مقال تاريخي، وفي هذه الظروف المؤلمة التي تمر بها الأمة، والدماء والحزن المختلط بالعزة وبشائر الصمود في أرضنا المحتلة من الكيان الصهيوني المغتصب؟! هل هناك حياء يسمح لي أن أرسل مقالاً يصلح لكل وقت إلا هذا الوقت؟!

ما مسؤوليتي ككاتب إزاء القارئ المحترم الذي قد يفتح الصحيفة الورقية أو الموقع الإلكتروني طامحًا في القراءة عن الحادث على أرض الواقع، وإذا به يجد مقالًا عادياً يصلح للنشر في أي وقت إلا هذا الوقت؟

القدس.. غزة.. حي الشيخ جراح.. أهلُنا في فلسطين المحتلة يتعرضون لأقسى أعمال العدوان بالأسلحة المختلفة، والأخ الكاتب يُرسل مقالًا قد تصبح الورقة التي نشر بها لفافة لسندويشة فلافل؟!

قبل أيام، وفي آخر أيام شهر رمضان المبارك، كنتُ أتحدث مع أحد الأصدقاء عمّا يحدث في الأراضي المحتلة وما يتعرض له أهلنا هناك حماهم الله، وكان الأخ محتدًا في الحديث ويكاد يبكي مما يراه على الشاشات، وتوقعتُ أن لديه مشكلة في النوم بسبب ألمه الشديد وحزنه على أهلنا في فلسطين، وكنت أنوي أن أنصحه بأن يخفف من روعه قليلًا، وأننا في النهاية "العين بصيرة واليد قصيرة" ولا نملك إلا الدعاء! ثم فاجأني قائلاً بعدما اختلفت ملامحه: هل علمت بأنَّ ريال مدريد أصبح قريبًا من اللقب بعد تعادل البارشا مع الأتليتكو؟!

فتحتُ وسائل التواصل الاجتماعي فابتسمتُ بهدوء، وصدقتُ من قال: النَّاس على دين ملوكها، وبأن كل نظام بما فيه ينضح!

أحزنُ حين أرى الشعوب المغلوب على أمرها، عندما يسمح لها بالتنفيس على أحداث خارج الحدود، بينما لو تكلموا كلمة واحدة عما يحدث في الداخل، فقد يكون الصهاينة أرحم لهم من حكامهم! أصبحتْ هناك مُتاجرة دنيئة بالأزمات والمآسي، وبلا خجلٍ أو حياءٍ، يستهدف بها الإنسان الصافي النية الذي يتفاعل مع ما يحدث في بقاع العروبة؛ بل ويحرِم نفسه ليتبرع بما تجود به النفس النقية، وهو لا يعلم أن التاريخ أثبت أنَّ الكثير من هذه التبرعات لا تذهب للطريق المُعلن ولأهلها المستحقين، والحقيقة أن كثيراً من الجهات المختصة في عالمنا العربي تعلم ذلك، لكنها تقف وتكون غطاءً لهذه الممارسات اللئيمة.. هل أكمل أم فهمت القصد؟!

في مثل هذه الأمور التي تدخل بها السياسة لا تكن ساذجًا وعلى نياتك، في وقت الفزعة وطلب الرجال والسلاح لا تصدق من يطلب المال!

عندما لا يُعجبنا الوضع ونغار من العروبيين الحقيقيين سنقول إن ما يحدث لا يعنينا؛ لأننا لم نُستشر ولم يُؤخذ منِّا الإذن، وكأننا أهل الكلمة المطاعة الصادحة، بينما لا تزيد قدرتنا على طلب السلامة!

أما غالبية أجهزة الإعلام العربي- فحدِّث ولا حرج- كانت تنقل حفلات الغواني والمزامير، وتجاهلت وأغفلت الاعتداءات على أماكن العبادة، والناس العزل وهدم المباني، وترويع المدنيين بآلة حرب فتَّاكة، تُدمِّر وتشتت الأسر وتخلف شهداءً ويتامى، وحكومات أصبحت حتى من الشجب والاستنكار تستحي ولا تتجرأ، خوفًا على مشاعر المعتدي الإسرائيلي!

لن أدخل تحليلات السياسة في وقت الدم وسقوط الشهداء، فلكل مقام مقال، لكن أقول لنفسي ولكل عاقل إما أن تقل خيراً أو لتصمت، ولابُد من وقفة جادة وصادقة من الأنظمة العربية لتحرير فلسطيننا، أما غير ذلك، فأستغفر الله لي ولكم..