كل بصل وأنسى اللي حصل

الطليعة الشحرية - (حالوت أليخاندرو)

انتصف عبدالعال السوق، يسحب خلفه أكياسا كثيرة وكبيرة من البصل، ومناديل ورقية. قررَّ أن يوزع على المارة من يُقبل من اليمين، له بصلة، ومن يُدبر من اليسار له منديل ورقيٌّ.

وضع عبدالعال لوحة من الورق فوق الأكياس، كتب عليها بخطٍ فنان "تحياتي وأشواقي إلى الإسكان".

ارتفع صوت عبدالعال ونادى بصوتٍ رنان "شخشخ جيبك شخشخ جيبك، لا أنت ابن ستين تاجر، ولا عندك ربع بيدر، نصك مديون وكلك على بعضك مرهون، شخشخ جيبك شخشخ، وخذ يا الحبيب بصل وراح تنسى اللي حصل".

بشرى مُسرح منذ عام، بشره عبد العال بحصوله على 600 مترٍ، بعد طول انتظار، وما لبث أن نكس الرأس واشتكى أخاف السنتين العجاف من تحت قدمي تتسللان، وبغمضة عين تطير معها الأرض، لغراب البين. صرح عبدالعال بأن جاره المتزوج من أربع سجل مع الأولى الأرض، ولبقيتهن كيسٌ من الحنظل وكيسٌ من البصل. مدّ عبد العال يده وأعطى المُسرح بصلة، وهتف بجملته الشهيرة "كل بصل وأنسى اللي حصل".

تدافعت الجموع إلى السوق تبحث عن البصل البطل، ومناديل عبد العال المتعال، قد كثرُ عليها الطلب وسوقها رَاجَ بين الناس وشاع. اِمتدت طوابير المطلقات، والأرامل، وذوي الدخل المحدود، وتوسط الطابور شخص فارعُ الطول، مرحباً بك، أيها المناضل الباحث الصبور، هل بلغت أعتاب الثلاثين بعد أم تنتظر الأربعين. هتف عبدالعال قائلاً: "ندري، وتدرون، كم نحن صابرون، وكم عصروا فوق جراحنا الليمون، ومالكم إلا البصل الشافي من كل العللّ".

أرفعُ قبعة للمناضلين القنوعين، وأبعث تحياتي وأشواقي لمن وضع القانون، الذي تسللت من بين طياته مقولة أعجوبة:(لكل مقامٍ مقال)، لها أوقاتها ومُناسبتها، وإذا اختل ميزانها، تلاشى أمامها كل إنجاز. وتتحول المسألة إلى عمليةٍ مُرهقة، لتعبئة قربة جلدٍ خاويةٍ بالهواء.

وبعيداً عن معمعة أروقة القانون، والتي لا أعي أبعادها والمضمون، هل تهدف المعمعة إلى حماية عبدالعال أم التاجر ابن سبعين تاجر؟

ويعاود عبدالعال المتعال بصوته الرنان "شخشخ جيبك شخشخ،أحسب دينك كم؟ ولا تنتظر بشغف، سلم ترتقيه، يا كم قبلك وكم! فلا أنت ابن ستين تاجر، ولا يسند ظهرك عم ولا لك غير البصل والهم".

خذ الحكمة من عبدالعال واترك ما لك وتفرغ لما عليك، أو ابحث عن معادلة فيزيائية تحول الزئبق إلى ذهب.

يا كم أخاف وكم، أن يخذلني طير الحظ وتسرقه غربان النهب والسلب.

قد فقدت الصين السيطرة على صاروخٍ، دار فوق الكوكب ألف مرة، فلا يضر أن يفقد القانون أحياناً السيطرة، ويصفعك ألف مرة.

تباً لك أيها الغراب الأسود، نعقت لسنين بلا انقطاع تبشر بكل مصيبةٍ، بخ منك، بخ، وتباً لأقدارنا لفظتني إلى الحياة غلباناً آكل البصل.

لسعت الشمس عبدالعال المتعال، فقرر أن يخزن طاقتها، دامها بالمجان، أخشى أن يوضع عليها جمرك وتصفد بالسلاسل والأقفال.

"وشخشخ جيبك شخشخ، يا عبد العال وخذ مني يالحبيب بصل وأنسى اللي حصل".