حاتم الطائي
اعتداءات بربرية نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المُصلين في المسجد الأقصى المُبارك، تزامناً مع المظاهرات السلمية في يوم القدس العالمي، اعتراضاً على استمرار الوضع الراهن لمدينة القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ عقود، دونما أي بادرة أمل حقيقية في انكشاف غمة الشعب الفلسطيني المثابر، الذي علّم العالم أجمع معنى النضال والمُقاومة، في مواجهة محتل غاشم وعنصري.
المشاهد المؤسفة التي شاهدها العالم أجمع حرَّكت ضمير الشرفاء، وأججت مشاعر الغضب والرفض لهذا الاحتلال البغيض، ودفعت المنظمات والدول إلى التنديد بهذه الأفعال التي ترفضها القيم والمبادئ الإنسانية، فإلى متى سيستمر هذا الظلم التاريخي الواقع على الأشقاء في فلسطين؟ متى تتخلى إسرائيل عن سياساتها الاستعمارية وتوقف عمليات الاستيطان الممنهج والتهجير القسري للأبرياء واغتصاب الأملاك والعقارات والأراضي وهدمها؟
يوم القدس هو محاولة لحث البشرية على الانتفاض لحقوق الفلسطينيين المحرومين من أبسطها، الذين يرزحون تحت نير الاحتلال وتصرفاته الرعناء، وأسلوبه الرافض لأية مفاوضات ومبادرات تستهدف الوصول إلى حل شامل للقضية، يحقق السلام العادل ويعزز الاستقرار في منطقتنا، حتى تتفرغ لمواجهة التحديات التنموية.
ولقد جاء بيان السلطنة في هذا الصدد معبراً عن الرؤية السديدة للدبلوماسية العُمانية، التي لطالما أكدت حتمية السلام وضرورة السعي لإرسائه، فقد أدانت السلطنة اقتحام القوات الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى المبارك، وأكدت رفضها لسياسات وإجراءات تهجير الشعب الفلسطيني الشقيق من منازله في مدينة القدس. وهذا الموقف العماني الراسخ يتماشى مع التأكيد الرسمي لمواقف السلطنة الثابتة والداعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المُستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتطبيق جميع القرارات والاتفاقيات الأممية، وتنفيذ كل ما من شأنه أن يُساعد هذا الشعب الأصيل على الحصول على حقوقه وفق مقررات الشرعية الدولية.
وعلى الرغم من أنَّ بعض المراقبين يشيرون في بعض الأحيان إلى أنَّ فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى، إلا أنَّ الواقع يقول غير ذلك، إذ ما زالت القضية المركزية في ميحطنا الإقليمي العربي، وما "صفقة القرن" المزعومة التي تبناها الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، إلا دليل على مدى أهمية هذه القضية، لكن من المُؤسف أن طُرق الحل وجهود إحلال السلام قد جانبها الصواب في تلك الصفقة التي وُلدت ميتة. فلا يُمكن حل هذه القضية من طرف واحد وحسب، وهذا الطرف يُقدم كل التنازلات الممكنة وغير الممكنة، بينما الطرف الآخر الذي يجب أن يتحمل العبء الأكبر من عملية السلام، لم يتنازل قيد أنملة عن أي من القضايا الخلافية، بل أمعن في الإجراءات التعسفية وواصل أعماله البربرية؛ فهدم البيوت ما زال مستمرًا، والاستيطان لم يتوقف بل نما وتوسع كالسرطان، والاعتقالات مُتواصلة حتى بين الأطفال والنساء والشيوخ، وحصار السكان العزل وحرمانهم من أبسط سبل العيش الكريم بات أمرًا قائمًا، ليُعبِّر عن مستوى الانحلال الأخلاقي لهذه القوات المحتلة.
وختامًا.. إن المطلوب من العالم أجمع، والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، أن يسعوا لاستصدار قرار أممي يُلزم الاحتلال الإسرائيلي بجدول زمني محدد لاستئناف المفاوضات، والإسراع لإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين والمُهجرين والنازحين، وقضية المستوطنات، وغيرها من الملفات العالقة التي تستعصي على الحل.. ونأمل في هذه الأيام المباركة أن يحقق الشعب الفلسطيني أمنياته وتطلعاته، بدعم ومساندة من العرب وغير العرب، فقد طال ليل الظلم والعدوان، وآن الأوان لفجر العدالة والنصر أن يبزُغ.