إسماعيل بن شهاب البلوشي
عندما تكون في موضع التقصي والقراءة النقدية أياً كان مستواك ونظرتك للأمور، فإنِّه لا بُد لك أن تقرأ جوانب معينة تستوقفك كثيراً، وقد تكون للبعض هي ليست أكثر من أحداث عادية، لا تغير في الأمر شيئاً من عالم اليوم، وكذلك الأمر في الزمن الغابر، ذلك أنَّ دولًا بعينها تظهر في واجهة الأحداث وتجد لها اسماً وتواجداً في مجالات عدة، مثل القوة والطب والصناعة والعلم والابتكار والسياسة وغيرها، وهناك دول ليس لها أي علاقة أو ذكر في أي من هذه الصفات والمواضع وبدرجات متفاوتة وإلى حدٍ بعيد.
في حين أن كل دول العالم يسكنها البشر من نسل آدم وحواء، ولهم تماماً نفس الصفات، ويأكلون نفس الطعام، ويعالجون بنفس الدواء، إذاً لماذا كل تلك المفارقات بين دولهم عندما يأتي الدور على الصفات الجماعية وليست الفردية؟
صحيحٌ أن بعض الدول نجحت بطريقة ذكية جداً في تقريب وجهات النظر أو بتشريع وقوانين ملزمة وحازمة بعدم انتقاد الآخرين والبعد عن المذهبية والطائفية وتغليب اسم الأمة على اختلاف أشكالها وتنوعها من ناحية، لكن ومن ناحية أخرى قد تكون أهم بكثير من ذلك وهو الحس القومي، ومن الجميع، بشموخ مجتمعي أن لا يرضوا لوطنهم ألا أن يكون في الصدارة وفي مصاف الدول المتقدمة في كل شيء. لكن إذا كان الجميع يتمنى الأفضلية فكيف السبيل إلى ذلك؟ وهل كل الخطوات التي نخطوها تقودنا إلى الرقي؟ فمثلاً هناك دول عندما سمعت عن نجاح بعض الدول في إيجاد لقاح مضاد لوباء كورونا، فإن قياداتها وعلماءها لم يناموا الليالي؛ كونهم لا يقبلون أن يكون مستواهم متدنيًا، لكن هل اتخذوا من الحديث والتهويل وتبادل اللوم طريقاً؟ وهل كان يمكنهم الوصول إلى شيءٍ ما بهذه الطرق؟ لا .. أبداً.
أولاً لأنهم مؤهلون بالمعدات والعلماء واتخذوا الطرق الهادئة والهادفة والعلمية منذ زمنٍ طويل، وتمَّ البناء عليها من منظور وخطط بعيدة المدى، ونفس هذه الدول لو أنهم ضبطوا اختلاسا أو تزوير شهادة أو صناعة فاسدة أو تكاسلًا في أداء أي واجب، فإن الدنيا لديهم تكون في حالةِ طوارئ، ويتم العمل ليل نهار حتى يُحل الأمر ويُحاسب المخطئ، كرسالة معلنة وواضحة أن الضرر والتخلف واستغلال المناصب والتقصير أمر لن يتم قبوله، وبأي ثمن. لذلك تظهر الفوارق بين الدول وتسمع عن قيمة وقوة مخرجاتهم العلمية وصناعتهم، فيكفي أن يقول إنه من البلاد الفلانية، أو يُكتب على المنتج صنع في دولة (...)، أو أن هذا الشخص حاصل على شهادته من ذلك القطر.
وهناك دول تتقبل الأمر أو أنها تعالجه على استحياء وتردد، لذلك وجدت الفوارق الفعلية في مستوى الدول من خلال شموخها الفكري في عدم قبول كل شيء وعدم السكوت عن أي شيء، فمثلاً هناك دول تقوم بدفع مليون دولار مثلاً لبناء سد، في حين أنَّ ذلك السد ينّفذ بربع المبلغ ولا غرابة في ذلك إن وجدت الأمر يسير بكل أريحية وكأنه لم يحدث أي شيء!!
لكن في دول أخرى، قد يكون الشخص المَعنِي بمتابعة أمر المال العام جاء الى هذا المنصب لشهامته ومعرفته الفنية واختياره بعنايةٍ فائقة لا لشهادته التي قد تكون ورقة فارغة؛ بل بصفات منها حسه الوقاد وقوة مراس فكره، وحين يعرف عن أي أمر به خطأ، فإما أن يكسر الطاولة بيده أو يطال السقف بقفزته من هول ما سمع، حتى يُحل الأمر بكل شفافيةٍ وشموخ، ويبعث برسالةٍ واضحة وصريحة مفادها إنني أقوم بواجبي واعرف تماماً كيف تسيرُ الأمور، وأعلم تماماً عن القيمة المالية لكل شيء، وأن لا وجود لثغرات بهذا الحجم من الفساد.
وأخيراً.. هل الشموخ الفكري متوارث أم هو مادة علمية تُعلمها بعض الدول فقط؟ أم هو سلوك وصفات على الجميع البحث عنها والعمل بها؟ هذا حتماً إن كان الجميع يبحث عنها!