استحقاقات "رؤية 2040".. دور البنوك

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

في ظل المتغيرات والاستحقاقات المختلفة للمرحلة القادمة تستهدف رؤية "عُمان 2040" تحقيق تحولات جوهرية في النموذج الاقتصادي القائم على الإيرادات النفطية، والحكومة كمحرك رئيسي للأنشطة الاقتصادية وخلق فرص عمل إلى نموذج قوامه الشركات المحلية والأجنبية، وتعظيم الاستفادة من الجاهزية التي تنعم بها السلطنة، وعلاقاتها الدولية المميزة لتشغيل قاطرات الاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير بما يؤدي إلى توليد الوظائف ورفد الميزانية العامة للدولة بالإيرادات.

لا شك أن تحقيق كل ذلك يتطلب تغييرا جوهريا في الأدوار لجميع الفاعلين، بما فيهم الحكومة والأفراد والقطاع الخاص. نتناول اليوم التحول الجوهري المطلوب في أحد عوامل الإنتاج والمناط إليه توفير عنصر رأس المال المناسب بالتكلفة المناسبة، والوقت المناسب والحديث هنا عن دور البنوك في تحقيق تحولات رؤية عُمان 2040.

وتُشير التقديرات الأولية المنشورة في الصحف المحلية إلى أن أرباح البنوك التجارية قفزت بنسبة كبيرة تصل إلى 26% في الربع الأول من عام 2021م، وفي قراءة سريعة فإن على الرغم من أهمية صمود القطاع المصرفي في هذه الفترات الحرجة، إلا أن هذا الخبر يدلل على تباين كبير بين البنوك التجارية، وعملائها من الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة والتي معظمها ترزح تحت وطأة خسائر وضغوطات وضوائق مالية كبيرة؛ جراء تداعيات جائحة كورونا وتباطؤ الأنشطة الاقتصادية.

ومن جانب آخر يشير إلى أن البنوك التجارية لا تلعب الدور المناط بها في حشد المدخرات من أصحاب الودائع إلى أصحاب الأفكار، وتوفير التمويل المطلوب لقطاع الشركات، ولتمويل الأنشطة الإنتاجية. وتركز بشكل مفرط في تعاملاتها المضمونة في الاستثمار في أوراق مالية وسندات لدى الحكومة ، أو الإقراض للشركات وموظفي الحكومة وهذا أمر لا يتناسب مع النقلات النوعية التي تستهدفها رؤية عُمان 2040 في تمكين القطاع الخاص ليلعب دوراً مهماً في الإنتاج والتشغيل. والجدير بالذكر أن الائتمان الممنوح للشركات الصغيرة والمتوسطة وهي العمود الفقري للمرحلة القادمة لم يصل إلى 3%، في حين صدرت أوامر سامية في عام 2011م بضرورة أن تصل إلى 5% في عام 2014م، والفرق الواقع والمستهدف لهذه الشريحة والذي يمثل 2% من المحفظة الإقراضية للبنوك، والتي وصلت إلى 27 مليار ريال في فبراير 2021م يصل إلى 540 مليون ريال عُماني. لو قامت البنوك بضخها بتكلفة مناسبة لتلك الشركات لتغيرت الكثير من المعطيات ونسب التسريح والتعسر والإعسار لدى الكثير من شركات القطاع الخاص. ومن المأخوذ علينا في السلطنة أن تكلفة التمويل عالية جداً ولا تتم إلا برهونات كرواتب وعقارات لا تملكها شركات القطاع الخاص وهناك شبه تغييب لأدوات السياسة النقدية، وخاصة الأدوات النوعية، لتوجيه الادخار للأغراض الإنتاجية؟

وتشير الإحصاءات الدولية فيما يتعلق بالحصول على الائتمان إلى تراجع كبير في مرتبة السلطنة في مؤشرات الأعمال والتنافسية والائتمان المحلي للقطاع الخاص. ولا شك أن هذه المؤشرات تعني الكثير لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتنافسية الجدارة الائتمانية للسلطنة. ومن جانب آخر، فلا تزال الثقافة المالية لدى أفراد وأُسر المجتمع، وكذلك شركات القطاع الخاص متدنية للغاية. وهناك ضرورة تشجيع نسبة الادخار في الأُسر العُمانية والتي لا تتجاوز في منطقة الخليج بشكل عام 2.5% من الدخل المتاح وهي نسبة أقل من المعدل العالمي البالغ 10% كحد أدنى لضمان الاستقلالية المالية على المدى الطويل.

وفي سياق متصل، فإن بنك التنمية العُماني الذي تم إنشاؤه في عام 1976 يقوم بدور مهم ولكن على الرغم من كفاءته فتأثيره محدود في التنمية الاقتصادية، ويعزى ذلك من وجهة نظري إلى سببين رئيسين الأول إلى الأدوات والإجراءات التقليدية التي يتبعها، والضمانات والرهونات التي يطلبها. والثاني في تواضع رأس ماله والذي لا يتجاوز بعد سلسلة الزيادات 100 مليون. وهنا ينبغي التعامل مع هذين السببين بتسهيل الإجراءات وتسريعها ومضاعفة رأس المال ليصل إلى 500 مليون، وحتى مليار ريال عُماني ليقوم بدوره المنشود في المرحلة القادمة. فبمقارنة بسيطة بين بنك التنمية العُماني وبنك التنمية السنغافوري واللذين تم إنشاؤهما في نفس الفترة نجد أن البنك السنغافوري وحسب ما تشير إليه أدبيات التنمية كان من أبرز أدوات نهضة سنغافورة ومحركا رئيسيا في القفزات التنموية التي شهدتها سنغافورة.

هناك مراجعة مهمة ينبغي للبنك المركزي العُماني القيام بها؛ لتعديل المعايير والاشتراطات الموضوعة منذ فترة طويلة وفق متطلبات تلك المرحلة إلى معايير جديدة لتحقيق رؤية 2040. وهنا الحديث عن المعايير والاشتراطات الخاصة بدخول بنوك جديدة، وسقوف الإقراض الموجه للأغراض الشخصية والإسكانية وللشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والأدوات المتاحة للبنوك للاستثمار، وأدوات السياسة النقدية المباشرة وغير المباشرة. ولا يخفى الحاجة إلى بنوك متخصصة وشركات وصناديق الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية كالصناعة والزراعة والثروة السمكية والتعدين وغيرها. ولابد من خلق كيانات مالية كبيرة والدفع بملفات الاندماج والاستحواذ بين البنوك والسعي الحثيث لاجتذاب بنوك وشركات تمويل واستثمار عالمية. وهناك حاجة لغرس فكر جديد لدى العاملين في البنوك في أنهم صناع الاقتصاد والتنمية والمستقبل، وأنهم ليسوا مقرضين فقط. كما أن هناك حاجة مُلحة لاستعادة قوة الجدارة الائتمانية للسلطنة والتي تُعتبر عاملاً مهماً وعنصراً أصيلاً لنجاح العملية التنموية. وترتبط تكلفة الحصول على أموال من الخارج بها وتلعب دوراً محورياً في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتسويق الفرص الاستثمارية وبيئة الأعمال.

 وختامًا.. تبقى علينا القراءة المختلفة للواقع الجديد والتجديد والابتكار في تهيئة الظروف لتغطية الفجوة الاستثمارية الكبيرة في السلطنة. ونؤكد أن هناك دور اقتصادي تنموي استثماري اجتماعي للبنوك ينبغي أن تقوم به وإلا فإن الوضع سكوني، وتسير الأمور كما هي عليه من آليات وأدوار تقليدية لن تأخذنا لتحقيق ما نصبو إليه في رؤية عُمان 2040. فالنمو الاقتصادي الذي حققته رؤية "عُمان 2020" مبني على الاستهلاك في حين رؤية عُمان 2040 تستهدف نموا مبنيا على الاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير، وهذا يتطلب تحولا نوعيا في آليات التعاطي مع تقديم الائتمان إلى القطاعات الإنتاجية بدل الاستهلاكية وتغييرا في أنماط وأساليب عمل القائمين على البنك المركزي، والبنوك التجارية وتغيير بوصلتهم في اتجاه الاستحقاقات الجديدة.

الأكثر قراءة