لولا عُمان.. من يأتيكم بمثلها؟!

حمد بن سالم العلوي

لقد نزل بأرض عُمان خلال الأسبوع الماضي، المُفاوض الإيراني والسعودي والأمريكي والأممي، ووفد من الكونجرس الأمريكي، وقبلهم بفترة وجيزة كان هنا كذلك الجانب السوري وهو "المغضوب عليه من حلف أمريكا من العرب وأمريكا ذاتها والغرب"؛ لأنه لم يُسلِّم لهم وطنه طوعاً ولا عنوة، وكل هؤلاء الممثلين لجهاتهم، أتوا إلى عُمان يطلبون المشورة والحكمة والمُساعدة في حل مشاكل كبيرة وكثيرة ومستعصية الإغلاق، وعلى رأسها قضايا اليمن وسوريا و"نووي إيران"، والاضطرابات في الخليج، وذلك لثقتهم في قدرة عُمان على المساعدة في حل ما يظنون أنه عصي الحل والانفراج.

معظم هذه المشاكل استعصت على الحل بالوسائل الحربية، فأتوا الآن باحثين عن الوسائل الدبلوماسية، والتي تخرجهم من حرج الحروب والخسارة، وهم عندما يحكمون العقل يعرفون بالخبرة أن الحل في "مسقط".. لله درك يا عُمان المفتاح السحري لحل الأزمات.

إذن؛ لا عجب إن كانت عُمان والتي كانت وستظل موطن السلام والمحبة، وفي عُمان يتحاور الكون أجمع في إدارة الأزمات المستعصية بغية حلها، وفيها تجتمع قواسم التفاوض، والتفاهم المشترك بين المتعارضين المتضادين والمتحاربين، وفيها مرجعيات للأمم، ففيها تنسج خيوط الدبلوماسية، وهي الهدف الكبير والواضح في معرفة أصول فقه السياسة، واسم عُمان هو المرجع المتميز لإكسير الإنسانية، حيث تسكن على أرض عُمان أجمل العقول وأطيب النفوس، ففي هذه البقعة من الكون قاطبة، يُنيخ السلام والإسلام ركائبه بما يعنيه من قيم التسامح والتآخي والتعايش، وليس فقط مع مختلف المذاهب الإسلامية المتعاكسة سياسياً وعاطفياً، وإنما مع كافة ملل الكون المختلفة، فلا عجب أن تذوب كل تلك الفوارق على أرض السلام والإحسان عُمان، ويصبح الأمر كأنه شيء لم يكن.

إن عُمان تكاد تكون الوحيدة في العالم العربي، ليس لها تحزّب مع أحد ضد أحد، وإذ نقول إنَّ طينة الإنسان العُماني ظلت نقية منذ أن بدأ التاريخ يؤرخها في الألف الثاني قبل الميلاد؛ أي مذ أن قَدِم إليها مالك بن فهم الأزدي إبان انهيار سد مأرب، وبالطبع لها تاريخ مُمتد قبل ذلك، ولكن المؤرَّخ أمامنا هو بعودة مالك بن فهم إلى عُمان في هجرته الأخيرة والثابتة، إذن فهذا الذي يظهر جلياً للمطلع يقول إنَّ الإنسان العُماني ظل سيّد نفسه، وإنه لم يطغَ في الأرض بالسوء قط، بدليل ليس هناك من رسل ربانية أرسلت مباشرة إلى أرض عُمان، وذلك لتقوّم الناس من الضلالة والشطط، كما كان ذلك يحدث مع أناس في بقاع أخرى من أرض العرب.

إذن؛ ظل العنصر البشري في عُمان، يمثل أنموذجاً للإنسان السَّويّ، فهذا الإنسان يظل يَمد نظره إلى الأفق البعيد، فإذا ارتطم نظره بالجبال الشاهقة، علم هذا الإنسان أنه لن يبلغ الجبل طولاً، فألزم نفسه بالتواضع حتى لا تجبره قوة قهرية بذلك، أما إذا مدَّ نظره باتجاه أفق الصحراء، فيرتد إليه بصره عاجزاً عن الإحاطة بها، فهنا كبت الغرور في نفسه، وأدَّبها عن الهوى، أما إذا نظر إلى مُحيطه من البحار، أغراه ذلك بحب المغامرة والاستكشاف، فركب البحر وقرأ أسراره وكنهه، فاكتسب منه حب التواضع والخير، إذن فمحيطه البيئي هذَّب شخصية الإنسان العُماني، وألزم نفسه حدودها واحترامها، وعرف سر خلقه للعبادة، وإعمار الأرض، الأمر الذي جعل السكينة تحرسه، والعقل يُسيِّره إلى نهج الصواب والحكمة، وذلك على عكس غيره الذي نظر إلى قدميه، ورأى لما شبع أنها قد هشمها التعب، وقرر أن يُجمِّلها بلبس نعل مرصعة بالألماس والذهب، فلذلك ظل ينظر إلى نعليه، ونسي النظر إلى العالم من حوله، فكثر به الشطط والإعوجاج.

لذلك وجد الإنسان العُماني نفسه، ينهج وسطية يحار فيها البعيد قبل القريب، بدليل أن إقليمنا العربي المتعجل والمتحيّر، لم يعرف جيدًا سياسة المرحوم جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- والذي ظل يعيش بين ظهرانيهم خمسين عاماً، وينهج سياسة مستقيمة وواضحة، فعجز أكثرهم عن فهمها، والمؤسف حقاً أنَّ البعض الذي صعب عليه فهم السياسة العُمانية، حاول أن يشوش عليها بالكذب والفرية، أما القلة الذين تفكروا، فقد عرفوه وأعطوه حقه من الاحترام الذي يستحق، أما الحاسدون والكايدون فظلوا على غيِّهم اللئيم.

وإنَّ خير شاهد على حكمة السياسة العُمانية، أن تجد اليوم اليمنيين الذين يتقاتلون داخل اليمن، وبدوافع عاطفية وتحزّبية وعاطفية وعشائرية أو حتى بالوكالة، تجد ممثليهم في عُمان يحكِّمون العقل والمنطق، ويسعون للتفاهم والتعاون فيما بينهم، وإن الصورة التي يكونون عليها في عُمان، هي غير تلك التي يكونون عليها في بلادهم، أو في أي بلد عربي آخر، لذلك سنظل نكرر القول لو لم ينعم الله عليكم بعُمان هذه، فمن سيأتيكم بعُمان أخرى، تضمد جراحكم، وتنظر إليكم نظرة ملائكية متسامحة؟!!

إنَّ عُمان موقفها واضح من الحروب المُقدسة، التي يباركها الله وتكون في سبيله، أو في الدفاع عن الوطن أو حق تقره الشريعة ويقدسه الواجب في الدفاع عن الأرض والعِرض، أما الحروب التي يختلقها البشر لأهوائهم السياسة والمذهبية أو الطائفية، فعُمان لا تكون طرفاً فيها، ولا تضيّع دينها في الغوايات الشيطانية، وقتل النفس التي حرَّمها الله إلا بالحق.. حفظ الله عُمان وأعزَّ سلطانها الأمين ووفقه وأمد في عمره وألبسه أثواب الصحة والعافية والنعيم الدائم.. و"رمضان مبارك" والحل- بإذنه تعالى- في مسقط شرف لنا ولكم.