رحلات إلى دهاليز التاريخ والجغرافيا في "تذاكر سفر"

 

وداد المانعية

@widad_almanai

 

يُقال: "قد تظل أثناء السفر صامتاً لوقت طويل، لكنه يجعل منك فيما بعد راوياً للقصص"  وهذا ماحدث مع كاتب "تذاكر سفر"، الرحال بدر بن ناصر الوهيبي، فهذه هي تجربته الأولى في جمع المذكرات وتضمينها بين دفتي كتاب واحد.

بداية قد يتساءل الكثير: ما الجدوى من نقل الرحلات كتابياً في ظل وجود الثورة التكنولوجية الهائلة ووسائل التواصل؟

والحق أنَّ المدوّن يتفوق على المصور في هذا الأمر؛ لأن مهمته أصعب وأكثر اجتهاداً، حيث يقوم بتجسيد الصورة ونقل القارئ إليها.

بعد العديد من القراءات التي تناولت هذا الكتاب، لاحظتُ أن عددا كبير من الناس يصنفه كيوميات ترفيهية لمسافر، وفي الحقيقة هذا ظلم في حق المحتوى؛ لأنَّ الكاتب ذهب بتلك المذكرات إلى جوانب تاريخية وثقافية ومعرفية هائلة، بل إنِّه توسع ليشمل سردا تفصيليا عن ارتباطات الأماكن بوقائع وأحداث يعيشها البلد المُزار.

وما يجعل المتلقي شغوفاً بالكتاب أكثر فضلاً عن الأسلوب الشيق، هي اللغة (العفوية) التي انتهجها السارد للرحلات، فنجد من خلال الفقرات أنه لم يضع تلك الزيارات في قالب جامد بل قام بنقل مشاعره وتساؤلاته، بل وقام بإسقاط ما يفكر به على تلك المشاهد، بالإضافة إلى قياس عادات وتقاليد تلك البلدان على ما يحمله من أفكار وتوجهات، لذلك لم يجد القارئ نفسه محاصرا بنمط محدد بل عايش شعورا مرافق للرحلة!.

ولأن أدب الرحلات يعطي مساحة واسعة لسرد كل ما في جعبة الراوي، فهذا يجعله أكثر عرضة للانتقاد أمام اندفاعيته أحياناً في توصيف الفكرة!

مثال على ذلك أن الكاتب هنا كان صادقاً في نقل الحيثيات في الأجزاء الأولى من التذاكر وهو ما أوقعه في مُغالطة ذِكر بعض الصفات السيئة لبعض الشعوب العربية "المغتربة" أو "المهاجرة" في تلك البلدان!

وهذه بالطبع نقطة ليست عادية فالكتاب هنا ليس موجهاً للخليج بل للقراء في دول عربية أخرى، لذلك وجب الحذر!.

من الطرافة أن نذكر أنَّ أسباب انتشار هذا الكتاب هو أزمة كورونا! حيث الحجر وإجراءات السفر المشددة، مما جعل القراء يتلهفون لاقتناء كل ما يتعلق بعالم السفر، ولكن الحق يقال أن المدون هنا أجاد نقطة مميزة قد يغفل عنها بعض الكتّاب، فقد كان يتضح أنه لم يهتم كثيرًا لما قد يُقال عن الكتاب بل شرع بإعطائه كل ما لديه حتى تلك التفاصيل التي قد لا ينتبه إليها؛ وكأنه أراد بذلك أن يكون بمثابة دليل للمسافرين لهذه الدول، فقلّما تجد كتاباً يجمع بين النصح والتدوين والتركيز على كل الحيثيات التي يحتاجها المسافر وذلك بلاشك نتاج الخبرة والتجربة.

ختامًا.. هذا الكتاب بارقة أمل لإعادة إحياء أدب الرحلات الذي استبدله الكثيرون بالتقنيات الحاضرة، ولكن كما ذكرت سابقاً يبقى الكاتب الحقيقي من يخلق من الكلمة مشهدا خالدا في الذاكرة.

تعليق عبر الفيس بوك