بين التعليم التقليدي و"الإلكتروني"

 

محمد بن حمد البادي

ألقت أزمة فيروس كورونا بظلالها على جميع دول العالم دون استثناء؛ وكغيره من القطاعات؛ تأثر قطاع التعليم بهذه الجائحة بشكلٍ مُباشرٍ، إذ أُجبرت المدارسَ والجامعات والمؤسسات التعليمية؛ وبشكلٍ مفاجئ؛ على إغلاق أبوابها بهدف التقليل من فرص انتشار الوباء في الأوساط المجتمعية.

لكن- كما قيل في المثل- رُب ضارة نافعة، ونخص بالقول هنا المجال التعليمي، فقد جاءت جائحة كورونا في وقتها المناسب لتدفعنا دفعاً نحو خوض غمار واقعٍ تعليميٍّ جديدٍ، فأصبح لزاماً على جميع المؤسسات التعليمية في كل دول العالم تقريباً تنصيب التعليم الإلكتروني سيداً للموقف، ليحل محل التعليم التقليدي الذي اعتدنا عليه.

إنَّ العالم أجمع من حولنا؛ يشهد اليوم طفرات تكنولوجية كبرى في شتى المجالات، وهذا بحد ذاته يُعتبر نذيراً بإحداث تغيير جذري ليس في القطاع التعليمي وحده، بل في كل أنماط حياتنا اليومية.

 فبين جيل يتميز بتعلقه الشديد بأجهزة الهواتف الذكية واستخدام التطبيقات والبرامج الحاسوبية المختلفة، وبين حاجة أسواق العمل لكوادر مؤهلة تقنيّاً وتكنولوجياً؛ أصبح دمج التقنية بكل مُفرداتها وتشعباتها في العملية التعليمية توجهاً عالمياً، وأصبح توفير المحتوى التعليمي من خلال الأجهزة المحمولة للجيل الحالي يشكل عاملاً محفزاً للتعليم الإلكتروني؛ بدلاً من الاكتفاء بالنمط التقليدي للدراسة.

فبهذا النوع من التعليم نستطيع تعزيز المعرفة والمهارة لدى الطالب، ورفع كفاءته ليصبح مؤهلاً لتلبية احتياجات أسواق العمل؛ التي سيكون اعتمادها في المستقبل القريب على التقنية والذكاء الصناعي بشكل كلي.

 حيث تشير معظم الإحصائيات إلى أنَّ التحولات التكنولوجية التي تنتجها الشركات العالمية، في سباقها المحموم نحو اعتلاء عرش السوق العالمي بل والسيطرة عليه؛ قد تلغي  في غضون الخمس سنوات المقبلة؛ ما يقارب 30% من الوظائف الموجودة حاليًا في السوق، ليتم استبدالها بمجموعة أخرى من الوظائف الجديدة التي تتطلب بدورها مهارات وأفكار إبداعية، وأدوات مختلفة، وكفاءات عالية.

لذلك آن الأوان للمؤسسات المعنية بالتعليم في السلطنة السعي الحثيث نحو تأسيس قاعدة متينة وراسخة وثابتة للتعليم الإلكتروني، من خلال البدء في تهيئة الأجيال القادمة للتأقلم مع تلك المتغيرات ومواكبتها، ولتحقيق ذلك لابد أن نراجع حساباتنا بدءاً لنعرف أين محلنا من الإعراب.

إنَّ تطوير المنظومة التعليمية في السلطنة؛ بات أمراً ملحّاً وحتمياً وغير قابل للجدال أو المراء أو التعليل، حيث نتمنى إحداث تغيير شامل للمسار التعليمي فوراً، وليس بعد مناقشات ودراسات واجتماعات وتوصيات وندوات ومؤتمرات لا تسمن ولا تغني من جوع، فالأمر بالغ الأهمية، لئلا نجد أنفسنا متأخرين عن الركب العالمي.

لا شك أنَّ عملية التغيير هذه لابد أن تبدأ بتطوير المناهج التعليمية بما يواكب الطفرة التقنية التي يعيشها العالم اليوم، وبما يكفل تحقيق المخرجات التعليمية العامة والخاصة التي بُنِيَت عليها السياسات التعليمية والتربوية في السلطنة.

ثم الاهتمام الجاد بالإنماء المهني للمعلم ليكون مواكباً لهذا النوع من التعليم، وبالتالي يكون قادراً على تحديد الوسائل التفاعلية المناسبة لكل هدف، فعملية إشراك الطلبة الموجودين في أماكن مختلفة؛ والمحافظة على انتباههم عبر الأجهزة؛ ليست بالأمر اليسير، ولكنها بالتأكيد ليست أمراً مستحيلاً.

كما يجب الاهتمام بالوسائل التعليمية بحيث تكون مناسبة للمحتوى التعليمي، وأن تكون مصممة بما يُحقق فاعليتها لتوظيف التعلم التفاعلي الذي يزيد انتباه الطلبة بإشراكهم المُباشر كمحور أساسي في العملية التعليمية، بما يعوض فقدان الطالب التواصل البصري وإشارات الجسد مع المعلم، وبما يكفل ارتفاع مستوى التحفيز وبالتالي تحقيق نتائج أفضل.

وليس كالذي نشاهده الآن بعد أن قمنا بتطبيق التعليم الإلكتروني لعام دراسي كامل من الاعتماد الكلي على المعلم في قراءة المحتوى التعليمي، أما دور الطلبة فيكون محصوراً في كونهم متلقين للمعرفة فقط، فهذا الأمر ربما يناسب الطلاب السمعيين، ولكنه لا يناسب البصريين منهم أو الحركيين.

وأمر آخر لا يقل أهمية عما سبق، وهو ضرورة العناية بقطاع الاتصالات؛ والنهوض به ليشمل كافة محافظات ومناطق وقرى السلطنة، واعتبار ذلك جزءاً رئيسياً في تطوير البنية التحتية لكافة الخدمات بما فيها التعليم، وليس فقط أمراً تحسينياً أو تكميلياً، حيث نجد الطلاب الآن في القرى الجبلية خاصةً، أو تلك التي تقع خارج محيط مراكز ولايات السلطنة؛ يجدون صعوبة بالغة في الاتصال بالإنترنت بسبب ضعف الشبكة، أو ربما انعدامها تماماً.

أضف إلى ذلك أمر آخر يجب إيلاؤه أهمية خاصة لإيجاد طريقة مناسبة للتغلب عليه، من أجل اكتمال أركان العملية التعليمية، وهو عدم امتلاك بعض الطلاب لأجهزة خاصة بهم تعينهم على تلقي الدروس.

 فالواقع المعيشي لبعض الأسر يفرض على الأبناء التشارك في جهاز هاتف واحد للتعلم، فنجد الأخوين أو الثلاثة أو الأربعة أو حتى الخمسة يتشاركون في جهاز هاتف واحد، وهذا الهاتف في الأصل هو هاتف الأم أو الأب، وهذا التشارك يفرض عليهم التضحية ببعض الساعات التعليمية في أغلب الأحيان، بسبب وقوعها في توقيت زمني واحد، وبالتالي زيادة الفاقد التعليمي، وانعكاس ذلك سلباً على مستوياتهم التحصيلية.

وأخيرًا.. من المؤكد أن الأزمة التي واجهت القطاع التعليمي بسبب جائحة كورونا التي عصفت بالعالم؛ دفعت بالتعلم الإلكتروني ليطفو على السطح، فغدا خيار لا بديل له، وستواجه المؤسسات المعنية بتطوير المنظومة التعليمية تحديات كبيرة لمواكبة هذا التحول المفاجئ، غير أنه بجهود المخلصين، وبالتخطيط المناسب فإنَّ التغلب على عقباته ليس أمرًا مستحيلًا.