هل نجحنا؟!

فايزة الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

دائمًا ما نُردد على ألسنتنا وفي جلساتنا النقاشية أو اجتماعاتنا العملية عبارة "العبرة بالخواتيم"، وأنا مثلكم تماما أرددها كلما أخذني الحماس لعمل ما، وأفعل ذلك في كل تحدٍ وكل مغامرة من مغامرات الحياة؛ سواء العملية أو العلمية أو الشأن الخاص.. لكن غالباً ومع تعود ألسنتنا على هذه العبارة أصبح ترديدها "روتينًا" اعتدنا عليه، لدرجة أن يُرددها البعض لمن حوله من باب التحدي أو المزاح أو الدعابة!! غير أننا بتنا اليوم في حاجة ماسة فعلاً لنتأمل عميقاً في دلالات هذه العبارة؛ كون محتواها العميق يحمل نهاية الأحداث التي نستهدفها.

اليوم أقرب نموذج يواجه العالم ما يجتاحه من تداعيات ناجمة عن انخفاض أسعار النفط، وما تتكبده الدول من خسائر اقتصادية وأرواح بشرية نتيجة لمضاعفات انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19)؛ فالبعض منا ممن لم يتمكن من الصمود طويلاً في مشروعه أعلن إفلاسه، أو أن المؤسسة التي يعمل لديها قررت تسريح الموظفين، والبعض الآخر من لا زال صامداً يواجه الرياح العاتية كونه قد يكون وضع خططًا واستراتيجيات ورؤى طويلة الأمد، وادخر من احتياطياته في العز والرخاء لهذه الفترة العصيبة، وكل هذا ساعده على الاستمرار وهنا نقول إن "العبرة بالخواتيم".

ولو انتقلنا إلى قضية أخرى مثل توفير اللقاح المضاد لوباء كورونا لأكبر شريحة ممكنة من الشعب لتفادي خطر تضاعف الوفيات، والسيطرة على الأوضاع ولو بالشيء القليل، نجد تصريحات المسؤولين والجهات المعنية تؤكد أن العائق ليس في توافر الأموال، لكن في المقابل الكميات التي أُعلن عنها لم تصل. وهناك طوابير انتظار للحصول على اللقاح. نؤمن بشدة بحجم الجهود المبذولة، ومكانة السلطنة التي تهيئنا للحصول على اللقاح في وقت قياسي قبل غيرنا، لكن نتفاجأ بأن غيرنا أغلبهم قد وصلوا لتلقيح نسبة كبيرة من سكانهم، ونحن لا زلنا نتحدث عن أرقام "ضئيلة"، في حين أن الكثير من الأعزاء من الأهل والأقارب يصابون أو يلقون ربهم لتأثرهم بكورونا، وهنا لا يسعنا إلا أن نقول "العبرة بالخواتيم"... وأين اللقاح؟!

من جانب آخر، وطوال السنوات الماضية نسمع بأن الجهات المعنية تعمل على الاستعانة ببيوت الخبرة، وإطلاق مبادرات متنوعة يترأسها الوزراء وكبار المسؤولين، ويشاركهم ممثلون من القطاعين العام والخاص لتعزيز وتحقيق التنويع الاقتصادي وتكثيف المشاريع، والعمل على الإسراع لحل قضية الباحثين عن عمل وفق مراحل تدريجية، لكن القضية ما زالت تراوح مكانها، وما زلنا ندفع لهذه البيوت وهؤلاء الخبراء المبالغ الطائلة لتقديم رؤيتهم لنصطدم بواقع مغاير عما نتأمله، وكنا نطمح إليه، فاليوم بدلاً من حل قضية الباحثين عن عمل يُضاف إليهم تكدس أعداد هائلة من المسرحين من أعمالهم، حتى أوشكت الطبقة المتوسطة أن تختفي، ويتحول المجتمع إلى طبقتين أغنياء مكتفين وفقراء معوزين، ويصبح الكثير من الأُسر في انتظار المعونات والمساعدات من الجمعيات الخيرية وفاعلي الخير؛ لفك كربتهم وإعانتهم على معيشتهم وأبنائهم، والبعض نتيجة للتسريح وتراكم الديون عليه يقف عاجزاً عن السداد، ومن ثم يجد نفسه خلف قضبان السجن، ينتظر الفرج من الله، وأن يجود عليه أي فاعل خير. يأتي ذلك تزامناً مع ارتفاع رسوم الخدمات وفرض الضرائب، وزيادة قيمة فواتير الكهرباء والمياه، حتى وصل الحال بالبعض لتعرضه للطرد من منزله المؤجر لعدم قدرته على سداد القيمة الإيجارية، فيجد نفسه وأبناءه بين يوم وليلة باحثاً عن مكان يؤيه، ولا معيل لهم، هذا إلى جانب الضغط على القطاع الخاص ورواد الأعمال نتيجة لارتفاع رسوم التراخيص والضرائب على الرغم من تراجع الإنتاجية والعوائد بسبب الكساد، وهنا نقول "العبرة بالخواتيم".

هنا نقف لنبحث اليوم عن نتائج ما جرى اتخاذه من إجراءات، ونبدأ بالتأكيد على ما تحقق من منجزات، خاصة على صعيد ترشيد الإنفاق العام للدولة، وتوجيه الدعم لمستحقيه، وغيرها من الإجراءات، لكننا نوضح أن طموحاتنا كانت أكبر مما تحقق لا سيما في قضية الباحثين عن عمل، وتراجع مستويات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتي كان من المؤمل أن ترفع مستوى الرضا المعيشي، والرفاه الاجتماعي للمواطن، إذ إن بعض القرارات نتفق معها، والبعض الآخر بات عبئًا على المواطن في ظل ما يُعانيه اليوم من تبعات كورونا والأوضاع الاقتصادية.. إننا نتفق ونعي مدى أهمية فرض الضرائب ورفع قيمة الرسوم وغيرها، لكن كان لابُد لنا من اختيار التوقيت المناسب للتنفيذ؛ لأن "العبرة بالخواتيم".. أليس كذلك؟!