عن الحب والاختلاف والحياة!

 

 

مدرين المكتومية

 

نمضي في هذه الحياة الدنيا كمن يأتيها مثقلاً بالكثير من الأعباء التي تلازمه، وما إن يبدأ المرء منِّا في الانتقال من مرحلة لأخرى في رحلة الحياة، إلا ويجد نفسه يتخلى شيئًا فشيئًا عن حلمٍ ما.. عن قصةٍ بعينها.. عن طموحٍ مُخطط له منذ الصغر.. أو عن حبيب رافق الخيال وداعب القلب لكنه لم يأتِ.. ليس لأنه يريد ذلك؛ بل لأنَّ الحياة بمتغيراتها ودورانها تجبر الكثيرين منِّا على الإذعان والقبول بالأمر الواقع!

بين ليلة وضحاها نجد أنفسنا في حالة من التقلب وعدم الاستقرار، تتبدل أوضاعنا، نرحل من حياة شخص جاهدنا للبقاء معه لفترة طويلة من الزمن، والأصعب من ذلك كله أننا قد نضطر في أحيان كثيرة لاستبدال كل تفاصيل حياتنا، ليس رغبة منِّا في التغيير، لكن هذا حال الدنيا، لا شيء يبقى على حاله، الجميع في تبدل وتغير دائمين في كل وقت وحين؛ فلم تعد الساعة التي تمضي كالساعة التي تأتي، إنه الإيقاع المتسارع للحياة، الذي ألحق الألم والضرر بعقولنا قبل قلوبنا.

نشهد- والعالم من حولنا أيضاً- متغيرات متسارعة يوماً تلو الآخر.. متغيرات تتعلق بعلاقاتنا الإنسانية، أو بالطبيعة، وحتى ربما بالطقس! تلك المتغيرات قد تتعلق كذلك بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، هذا الأمر بالتأكيد يجعلنا نضع أنفسنا في مقارنة بين مرحلة وأخرى.. ثم نفاجأ أننا عام وراء عام لم نعد كما كنا عليه، فهناك الكثير من الاختلافات التي طرأت علينا؛ سواء على أفكارنا ومعتقداتنا، أو توجهاتنا وعلاقتنا بالآخرين.. وإذا ما أمعنا النظر في دواخلنا وفكَّرنا مليًا فيما يدور بأذهاننا، لوجدنا أننا تغيرنا لدرجة أنَّ البعض منِّا تبدل تماماً! فمن كان يُعرف بأنَّه متعدد الصداقات واجتماعي، وجد نفسه وحيداً تقريباً، مع توجهه الجديد لتقليل عدد صداقاته، وآخر غيّر مكان عمله، والبعض منِّا وجد نفسه لا ينتمي للمكان من الأساس، فيرحل لوجهة غير معلومة، وغيرها الكثير من المتغيرات التي لابُد وأن نسعى بشكل أو آخر للتكيف معها والعمل على استيعابها، واستيعاب كل تلك الاختلافات والمتغيرات من حولنا، وألا نطيل النظر للماضي، فما حدث بالأمس لن يتغير، ولذا علينا أن نكرس كل جهدنا نحو المستقبل.

ومن هذا المستقبل يتعين على كل فردٍ فينا أن يرسم خارطة أولوياته، على أن تتميز بالمرونة وفقاً لمتطلبات كل مرحلة، وأن نعوّد أبناءنا على ذلك، فالفرد في مرحلة الطفولة تتركز أولوياته في احتياجه الشديد لرعاية الأم والأب، والحاجة للاحتواء، والارتباط بالأشياء المادية البسيطة مثل الألعاب وغيرها. وعندما يتطور الأمر إلى مرحلة المراهقة، تتجلى الأولوية في البحث عن الاستقلالية، وربما يُصاب المرء في هذه الفترة بعيوب نفسية لا يمكن تفاديها على الأرجح، فالحساسية المفرطة والتمرد على العادات والتقاليد والرغبة الجامحة في تنفيذ كل ما يُسعد النفس والقلب، كلها عوارض تلازم مرحلة المراهقة. أما عندما يصل الفرد إلى مرحلة الشباب، فتكون الأولويات قد وصلت لمستوى رشيد إلى حدٍ ما، فيبدأ الشاب بالبحث عن ذاته في كل تفاصيل الحياة، يبحث عن الحلم الكبير الذي يشغله، وهذه أصفها بأنها المرحلة التي نعيش فيها ونحن نحاول أن نقول للآخر "انتبه.. أنا هنا" لدي رأي وفكرة ومنطق ويمكن أن أجادل وأناقش بحرية.. وعندما يتقدم بنا العمر ونبدأ في توديع مرحلة الشباب، تتغير الكثير من قناعاتنا التي تنسجم مع قدراتنا ورغباتنا وما نراه الأفضل لنا، فنصل إلى قناعة تامة مفادها أنَّ التغيير "سنة الحياة".

إنه على الرغم من سرعة المتغيرات التي يفرضها العالم من حولنا، إلا أننا لم نقف بل واكبناها كل منِّا بطريقته، وبالوضع المناسب الذي يرتاح له، لكننا جميعاً اتفقنا على أننا لم نعد كما كنا عليه في السابق، فنحن نتغير مع كل تطور مرحلي نمر به، وهذا التغير أساس الحياة وسنتها؛ لأنَّ الإنسان السوي يُؤمن بالاختلاف ويُؤمن بأنَّ الحياة لا تبقى كما هي دائمًا، فكل شيء آيل للتغير والتبدل.