البشائر للحوم.. مثل عين عذارى!

 

يوسف البلوشي

 

في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الإبل في السلطنة بشكل عام، وخاصة في محافظة ظفار المشهورة بالإبل وأيضاً محافظة الوسطى، شاهدنا تناقل أخبار في وسائل التواصل الاجتماعي حول استيراد شركة البشائر الإبل من خارج السلطنة في دهشة ومُفاجأة قوية لاتجاه تعزيز المنتجات الوطنية الذي تسير عليه الحكومة كنهج اقتصادي محمود، والأغرب في الأقصوصة أن شركة البشائر موقعها ولاية ثمريت بمحافطة ظفار موطن الإبل! وعلى بعد مرمى حجر من مواقع مربي الجمال في المحافظة؛ بل الأدهي والأمر في ذلك أن التبرير الذي جاء عذرًا لهذا التصرف أن الجمال في السلطنة مخصصة للسباقات والمزاينة فقط.

من أي ناحية جاء هذا الحكم وكلنا نشاهد الكرم الحاتمي لأهلنا في ظفار والوسطى وغيرها بإكرام الضيوف وأيضا نحر العديد من الإبل في المناسبات السعيدة وهو دليل على أن هناك ما يكون لأعراف الذبح المعروفة .

ولا أعرف إذا كان دقيقا وصحيحا أن يصدر من مسؤول محسوب على منظومة الأمن الغذائي في السلطنة أن يطلق أن الإبل في السلطنة للمزاينة وهل هناك إثباتات علمية تؤكد صحة ما قاله الرئيس التنفيذي للشركة؟ أم أن التصريح عذر لاستيراد الإبل من خارج السلطنة؟!

 

 

كلنا نعرف أن طلب أي منتجات يتم عبر إعلان مناقصات معلنة في وسائل الإعلام، ولم نشاهد أو نلحظ الإعلان عن طلب الإبل المحلية للشراء قبل أن تهرول الشركة لجلبها من الخارج في تفضيل واضح للإبل الأجنبية، الأمر الذي يدعو للاستغراب والدهشة ‏والمحاسبة من قبل أجهزة الدولة لمثل هذه الممارسات. وكيف يتسنى للشركة أن تسلك هذا الطريق الوعر في إطار تعاطيها مع الثروة الحيوانية باعتبارها أحد مرتكزات الأمن الغذائي بالبلاد؟ وهو حقل في حاجة ماسة إلى تنمية وتشجيع من قبل الشركات الوطنية مجتمعة وباعتباره نهجا يصب في خانة المصلحة العامة وهي الأولى بالرعاية كما نعلم.

الكل استغرب استيراد الشركة للإبل من الخارج لإعادة بيع لحومها في علب للمواطنين، وفي بلادهم أصلا ثروة حيوانية هائلة من الإبل خاصة بالقرب من مقر الشركة للأسف، فكما يقال (عين عذارى تسقي البعيد وتترك القريب).

وعلى ذلك لا نعرف ما معنى القيمة المضافة تم التحدث عنها في وسائل الإعلام وبإحدى الإذاعات الذي ربما التبس عليها على ما يبدو المعنى الاقتصادي بعيد الأغوار لهذا المصطلح، فإذا كانت القيمة المضافة تعني أن تستورد لحوماً ثم يتم إعادة تعبئتها داخلياً هي قيمة مضافة، فهذا يقود لفهم قد ينتهجه التجار ورؤساء الشركات في جلب أطنان من الأرز من الهند وباكستان وبنجلاديش ونعيد تعبئتها في أكياس بأسماء محلية، ثم بيعها كماركات وطنية!!

وكلنا يدرك أنَّ هذه الممارسات بمثابة تزييف للمنتجات الوطنية يجب الابتعاد عنها؛ فهذا لا يسهم في بناء صناعة وطنية ذات أركان وأعمدة، كما إنها لن تصنع علامات وطنية أبداً إذا استمرت بهذا النهج الخاطئ.

إن استيراد لحوم الإبل من خارج السلطنة في ظل توافرها محلياً يتناقض مع أهداف الجهات الحكومية المختصة وأولها وزارة الثروة الزراعية والحيوانية وموارد المياه التي- على ما أعتقد- من أهدافها تنمية الثروة الحيوانية في البلاد، وكل مكونات الأمن الغذائي يجب أن تكون منسجمة مع بعضها البعض ولتتكامل الجهود في هذا الإطار، وهو تضليل حين نزعم أننا نسعى لتحقيق وإرساء متطلبات الأمن الغذائي في السلطنة، وإذا كانت هذه الممارسات واقعاً حيًّا وعلى مرأى ومسمع الجميع، فما بالنا بما خفي؟ بالطبع هو أعظم! ومن آثار هذا "الخفي الأعظم" أن العيون لتدمع وأن القلوب لتحزن، وأن الحسرة تكسو الرؤوس والهامات .

حول هذا أين دور أعضاء مجلس الشورى؟ ولماذا لا يضطلعون بدورهم المناط بهم لمتابعة هذه الممارسات ومحاصرتها بما منحوا من صلاحيات؟ وهل الإبل المحلية غير صالحة للاستهلاك الآدمي وأنها تصلح للسباق والمزاينة فقط وفعلاً؟ وما هي الأسس العلمية التي تم التوصل عبرها إلى هذه المعلومة؟ وهي معلومة سطحية تحتاج لتحقيقات واسعة ومحاسبة دقيقة؛ إذ تمس شرف وسمعة ثروتنا الحيوانية التي نعول عليها الكثير اقتصاديا وتنمويا‏.

إن تعزيز الثروة الحيوانية في السلطنة لا يتأتى إلا من خلال تشجيع مربي هذه الثروة من خلال الشراء الجماعي والفردي منهم حتى، وإن كانت بأسعار أعلى من الأسواق الخارجية، تحقيقاً لمفهوم الأمن الغذائي الذي نتطلع إليه، وتشجيعا لزيادة تربية المواطنين للثروة الحيوانية. بالطبع هذا الموضوع لا يجب أن يمر مرور الكرام، فهناك أطراف كثيرة ولاعبون مهرة آخرون في موضوع الاستيراد يجب أن يكشف النقاب عنهم، من أجل الحقيقة ومن أجل عيونها أيضاً؛ فالمسألة تمس اقتصاد وطن كامل تسعى الدولة جاهدة لوضعه في مساره الصحيح.

نأمل أن تشرُع الجهات المعنية في التحقق من هذه الحادثة، وإيضاح ملابساتها وحقيقتها للجميع، فليس هناك مجال لهكذا أخطاء في ظل الظروف الاقتصادية والصحية الماثلة للعيان.