طريق الباطنة الساحلي

 

محمد بن حمد البادي

طريق الباطنة الساحلي من المشروعات الحيوية الهادفة إلى تعزيز التنمية الشاملة في الشريط الساحلي الممتد من ولاية بركاء وحتى نهاية ولاية شناص؛ حيث يسهم هذا المشروع في تحقيق جملة من الأهداف؛ لعل أبرزها يتمثل في تنمية المواقع العمرانية القائمة على طول الشريط الساحلي، ومد المخططات العمرانية الحديثة بكل المتطلبات التخطيطية والعمرانية التي تجعلها تتناسب مع موقعها الساحلي؛ واستغلال المواقع ذات المقومات الطبيعية وتنميتها سياحياً واقتصادياً وتجارياً.

وبالرغم من أنَّ لهذا المشروع العملاق جملة من الجوانب المشرقة على العديد من المجالات، إلا أن له بعض الآثار السلبية التي انعكست على المجتمع الساحلي بشكل كبير؛ لعل أبرزها يتمثل في تأثيره المباشر على الترابط الأسري؛ وإضراره بالنسيج الاجتماعي؛ وتأثيره على بعض الحرف التقليدية والموروثات الشعبية التي ينفرد بها سكان الساحل دون غيرهم، ولعلنا نفرد لهذا الموضوع مقالاً خاصاً في قادم الأيام.

وبالرجوع إلى بداية نشأة المشروع؛ لابد أن نشير في بادئ الأمر إلى المرسوم السلطاني رقم (6 /2005) الصادر بتاريخ 3 يناير 2005م؛ والقاضي بتقرير صفة المنفعة العامة لهذا المشروع، على أن يتم تحديد المباني والأراضي اللازمة للمشروع خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ صدور المرسوم السلطاني؛ لاتخاذ إجراءات نزع ملكيتها مُقابل التعويض، وذلك لما كان يتطلبه هذا المشروع من هدم وإزالة الممتلكات اللازمة لإنشاء الطريق بغرض تخطيط المنطقة وتنميتها وفقاً لطبيعتها ومقوماتها وتوفير الأراضي البديلة لنقل أصحاب الممتلكات المتأثرة إليها.

واليوم؛ بعد مضي ما يقرب من 16 عاماً من إصدار هذا المرسوم السلطاني؛ إلا أن المشروع لازال في مراحل التنفيذ بعد أن تأخرت جاهزيته عن الوقت المخطط لها، بل أن مرَّ بعدة عثرات، وتوقف عدة مرات؛ ولعل الجهات المختصة أعلم بأسباب ذلك.

لا أحد ينكر أن نسبة الإنجاز في المشروع مرتفعة، وخصوصاً في مجال صرف التعويضات والوحدات السكنية للمواطنين؛ ونقلهم إلى مخططات حديثة ومنظمة ومتكاملة الخدمات؛ ولكن تبقى هناك بعض الحالات العالقة في منازلها القديمة الواقعة في أرض المشروع حتى اليوم، حيث لم يتم حتى الآن صرف وحدات سكنية لهم؛ أو صرف تعويض نقدي من أجل تدبير سكن للعائلة بطريقتهم الخاصة.

الشواهد كثيرة، والأمثلة عديدة على هذه الحالات، حيث يقول أحدهم واصفاً معاناته هو وعائلته: خرجت من منزلي الواقع في المنطقة المتأثرة بالمشروع، بعد أن غمرته مياه البحر عدة مرات، ولم يتبق أحد من الجيران حولي؛ حيث قمت باستئجار منزل التمست فيه المأوى الآمن والمناسب لي ولعائلتي؛ على أن يتم صرف مبلغ الإيجار الشهري لنا على شكل دفعات من الجهة القائمة على المشروع لحين صرف مبلغ التعويض عن المنزل القديم، ولكن رغم المطالبات المتكررة والوعود الدائمة والتسويف المستمر، لم يتم صرف مبلغ الإيجار، ولم يتم صرف مبلغ التعويض، ولم يتم صرف وحدة سكنية بديلة عن منزلنا.

مرت على هذا الوضع سنتان؛ وأنا أدفع مبالغ الإيجار من جيبي الخاص؛ وبعد أن قصم مبلغ الإيجار ظهورنا، وبعد شعور باقي أفراد العائلة بعدم الاستقرار في السكن؛ وبعد التسويف والوعود والمماطلة من الجهات المختصة؛ وبعد أن فقدنا الأمل في وجود حل لمعاناتنا؛ اضطررنا إلى العودة لمنزلنا القديم المتهالك والمهترئ؛ حيث قمنا بإجراء صيانة متكاملة له على نفقتنا الخاصة؛ بما يكفل جعله مناسبا للسكن فيه، وأرجعنا خدمتي الكهرباء والماء وأصلحنا الطريق المؤدي إليه وسط الحطام؛ مثلنا في ذلك مثل العطار الذي يريد أن يصلح ما أفسده الدهر، ليكون هذا المنزل ملاذاً دافئاً لنا ولأطفالنا ولو بشكل مؤقت؛ على أمل أن تجد الجهة المختصة القائمة على المشروع حل لمشكلتنا في القريب العاجل.

وآخر يقول حصلت على وعد من الجهات المختصة بصرف تعويض نقدي عن منزلنا الواقع في المنطقة المتأثرة بالمشروع، على أن يصرف لنا في مدة لا تتجاوز بضعة أشهر، وتمَّ الاتفاق معهم على إمكانية الشروع ببناء منزل جديد في أرض سكنية اشتريتها مسبقاً لهذا الغرض، وفعلاً بدأنا ببناء المنزل الجديد بما يتوافر لدينا من مبالغ بسيطة، واستدانة بعضها من الأقارب من هنا وهناك.

استمرت مراجعاتنا ومطالباتنا للجهة المسؤولة عن المشروع لاستعجالهم بصرف مبلغ التعويض لئلا يتأثر سير العمل في البناء، ولئلا نجد أنفسنا مضطرين للدخول في دوامة مع المقاول؛ أو مع تقلبات أسعار مواد البناء وغيرها من التبعات التي لا مجال لذكرها، ولكن لاحياة لمن تنادي، حيث لم يُصرف لنا المبلغ، لأسباب لا نعلمها؛ مما جعلني مضطراً لأخذ قرض من أحد البنوك التجارية من أجل إكمال بناء المنزل الجديد.

ومع ارتفاع أسعار البناء شيئاً فشيئاً خلال تلك الفترة لم تكف المبالغ لإتمام عملية البناء، وها نحن نشاهد شبه منزل صباح مساء عاجزين عن إتمامه، منتظرين بفارغ الصبر صرف مبلغ التعويض.

ولا زلت مقيماً كل هذه الفترة في بيتي القديم المتهالك والذي في معظمه عرضة للسقوط في أية لحظة، في منطقة خلت من كل شيء إلا من القوارض؛ وأكوام الحجارة وأنقاض منازل الجيران؛ التي هدمت جميعها وتحولت المنطقة إلى منطقة شبيهة بمناطق الأشباح، ولكم أن تتخيلوا حجم المُعاناة التي نمر بها.

أضف إلى ذلك أننا منذ عام 2005 وحتى اليوم لم نستطع التصرف في منزلنا القديم إلا القيام ببعض الترميم الذي نجريه بين فترة وأخرى لمرفقات المنزل؛ للحفاظ على ما تبقى منه ليكون صالحاً للعيش فيه، علماً بأنَّ العائلة كبرت والأولاد يريدون التوسع في السكن للزواج وتكوين أسر جديدة لهم.

لا بارقة أمل في الأفق، والرؤية غائبة تماماً؛ في ظل قرارات متقلبة؛ وظروف إدارية غير مستقرة للمشروع، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف ليس بالسلطنة فحسب؛ بل أثرت سلباً على معظم دول العالم.