الطليعة الشحرية (حالوت الخاندرو)
انِتضى السيف من غمده يغرس نصله بقلب ياقوتة فَتسقط دمعةً قرمزيةً، من أعُين الجرح الغائرُ الحَيّ، وتنتحب بصمت مُبكٍ بيّن أزقة الزمن.
لقلب ياقوتة مفتاحٌ، ولقلبها مزلاجٌ، ولقلبها بابٌ مزخرف مُطعم بأحرفٍ ندّية مُذهبة، شكلتها أنامل فنان مُحترف، نقش بسيفه هِيامُ عاشقٍ صعلوك، لا يملك من أمره إلا كَلِمات لِصة.
ياقوتة اليمامة الوديعة الناعمة، رقيقة القلب، حديثها ليّن ينساب بعذوبة على شِفاهٍ غليظة تميل إلى الاكتناز وعيناها واسعتين ونظرتها عميقة ومتقلبة كسماء هذا البلد الغريب.
كوينزلاند وسمُاؤها الغائمة، وبرودتها التي تنخر عظامي الصحراوي كل يوم، هنا أيضاً أرى قلب ياقوتة ودموعها القرمزية ونظراتها الحائرة السمجة ومعطفها الأحمر، بلّ هي تنينٌ أحمرٌ مغدور ينزف بزخم عنيف ويترنح بسُكر المستنكر لما آل إليه حَاله.
ستاربكس نقطة تجمع العرب وإن فرقتهم الدروب الغريبة، لا أدري لما يشكل معلماً هاماً للخليجين تحديداً، فكل من تحب وكل من تكره وكل من تحتقر يجتمعون في ستاربكس.
نجتمع هناك دوماً، وفي إحدى زواياه تنكمش ياقوتة وتتمدد، وحين تضحك تتجمع نِصال الأشواك في عينيها، وأقبع أنا في زاويتي أُحدق بها بينما ترفلُ أعمدة القهوة الساخنة، وعبق الكراميل الضائع في زحام الأجواء، وأرنو إليها بشغف فضولي، هل أقدر أن اَخْترق هالة الأنين المٌلْتَفّة كأفعى حول عنقها كوشاحٍ يُدثرها ويقيّها برودة بريزبن[1].
لطالما وثبت مخيلتي مع التنين الأحمر وتقلباته غير المتوقعة، هي مثلهن عاشت وهماً وردياً لسنين وسُرق منِها بطُرفة عين.
علمُت لاحقاً أن سفرها كان هروباً من حقيقة قررتها الأقدار، فهي لا تريد أن تشهد انهيار الصرح العظيم الذي انكفأت سنين تشيده.
"أعُذريني أنا حقاً أحبك، ولكن لا أستطيع أن أخالف أهلي ..."
بكل بساطة بِضع كلمات كفيلة بأن تمزق وتدمي وتنزف المُقْل. كلمات رُشقت بمهارةِ المتمرس في بابِ قلبها المُزخرف وأحال ما قيِل على غفلة بين عاشقين، إلى أسلاك شائكة تُطبق بحزمٍ حول مِعصم ياقوتة، ليسوقها بخيبة المنتصُر الغادر إلى سوق النخاسة ليهتف منادٍ قد فقْد ملكه يوما..
أيها الناس... أيها الناس.... بينكم نشال، بينكم نشال.
اختنق الكون بالنشالين، الذين يتسللون بخفةٍ ورشاقةٍ لا تعهدُها إلا براقصات البالية، يحملون في جعبتهم الكثير من الحيل، والكثير من الأحرف والنغمات، التي تتسلق ببراعة على سلالم النوتات الموسيقية لتعزف بعذوبّة مقطوعة بحيرة البجع لتشايكوفسكي.
نشالو الأرواح وسارقو الزمن، هم الأكثر دناءه بين اللصوص فهم يزرعون حقلك بالأمل، ويبذرون روحك بالأحلام وينتظرون معك، أن تُزهر الحقول، ويترقبون تباشير الربيع مُهلّلِين، ويحصدون رأسك لاحقاً بالخِذْلاَن.
بعد أن سرقوا حقلك ونهبوا فُصولك أنك يقطينة منتفخة الرأس ومحشوة بالكثير من الأحرف المُذهبة ولم تكن أقحوانة أبداً.
فقم أيها الملك التِعس، اِستْلَّ سيفك من خاصرة الزمن وأغرس نصله في كَبدِ النشال وأقطع رأس اليقطينة الحمقاء.
واصمُتي يا شهرزاد سُرق عُمرك وعِشتِ وهمك.
[1] بزيزين: هي عاصمة ولاية كوينزلاند الأسترالية وأكبر مدنها