يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"الأخلاق أولاً ثم العلم والكفاءة، هذا هو مفتاح السعادة للأفراد والحكومات والجماهير"، مصطفى السباعي.
أتساءل بعد وقت ووقت هل الأخلاق تتجزأ، هل هي بحسب الموقف الآني أم أنها فطرة كامنة بالنفس يعززها الوازع الديني، نعلم جميعًا كمسلمين أن من حسن خُلق المرء ترك مالا يعنيه، ونعلم بأن تداول معلومات مُعينة بأي مجال دون التأكد من مصداقيتها وصحة مصدرها هو سلوك مشين وقد يعرض متداول المعلومة لإجراءات قانونية وقبل ذلك يخدش أخلاقة ويؤثر على مصداقيته الشخصية، لأن رأس مال أي شخص هو سمعته والتي من أهم سماتها هي المصداقية.
هناك من يعتبر تدين المجتمع مرآة للفضيلة والأخلاق، وغاب عن بال المعتبر أن المتدينين بشر وليسوا ملائكة، فيهم من كل ضد وضد، وفيهم من يركب الموجة لتحقيق مصالح معينة أو لترويج فكر مختلف، وهناك من يعتبر الليبرالية هي الطريق للمجتمع المتسامح والمتعايش وغاب أيضا عنه أن الليبرالية كغيرها يركب موجتها أهل المصالح وبعض التوجهات غير المناسبة، وهناك من يعتقد أن الحل شيوعي بحت وبأنه لا حل إلا هو، ونسي ماذا فعلت الدول الشيوعية السابقة حتى وصل الأمر في عهد ميخائيل غورباتشوف للبروسترويكا والغلاسنوست، وفيما بعد تفكك دول شيوعية كثيرة!
الأخلاق سمة قد تأتي بالفطرة أو بالاكتساب عبر تربية طيبة أوصحبة صالحة، وغير ذلك مما يجذر الوازع الأخلاقي بالنفس، ولاعلاقة للأخلاق بالفقر والغنى وإن كان هناك تأثير ولاشك، إنما تبقى السجية الطيبة طيبة.
أتذكر قبل سنوات بأحد البرلمانات العربية كان أحد الوزراء وحتى لما كان نائباً قبل التوزير (هو أحد عناصر الأحزاب التي تتخذ الدين شعارا لها)، أشتهر بتبنيه قرارات غير شعبية مثيرة للجدل، وأثناء نقاش علني حاد مع أحد نواب البرلمان، سأله النائب من أين حصلت على المبلغ الكبير؟ وكان رده صادماً لمن حضر أوعلم بما حصل وهو بأن المبلغ الذي حصلت عليه هو هدية من ولي الأمر!
وتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما خطب في الناس وقال: "ما بال الرجل منكم نستعمله على أمر من أمر الله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، ألا جلس في بيت أبيه أوبيت أمه فينظر هل يهدى إليه" (أخرجه مسلم في صحيحه).
نعم، هناك هدايا معلنة تهدى من أولي الأمر؛ إنما للمصلحة العامة ولتحفيز الهمم وهي هدايا مادية وعينية لها تقديرها ويتطلع لها الكثير ممن يتنافسون على خدمة البلاد كجائزة الدولة التقديرية أو التشجيعية أو مكرمة بسبب إنجاز معين لصالح البلاد، وقيمتها في علانيتها وممن أتت منه، لكنها قطعا ليست ممن عليها شبهة الرشوة أوغيرها وهنا الفرق.
حتى الكاتب الصحفي عليه مسؤولية، المؤرخ الباحث عليه مسؤولية بالابتعاد عن النفاق والتزلف في ذكر معلومة تاريخية معينة، فإن وجد أنها تستحق البحث والإشادة وتسليط الضوء كان بها ولم لا وأجره على الله، أما إن كانت المعلومة فيها إنَّ، أوعليها شبهات باختلاف الرواة، أو أن الشخصية ذات لا تستحق الإشادة التاريخية عليه أن يبتعد عنها وينأى بنفسه، ليس مطلوبا من المؤرخ الكتابة عن كل شيء وأي شيء، عندك معلومة موثقة ووجدت لها وجاهة تاريخية وأهمية للنشر أهلا وسهلا وبارك الله بك وبعلمك، أما نشر بحث أو كتاب تاريخي لمدح هذا أو ذاك وهو لا يستحق فهذا غبن للعلم وأهله!
من طرائف التاريخ أتذكر أني علمت ذات مرة أن أحد الطامحين لأمر ما نشر كتابا لتأريخ الإدارة (إدارة بأحد مقرات الحكومة) التي يتطلع للاستفادة منها، وكان أمرًا يتندر به الكثير وقتها، صحيح الفكرة تستحق البحث إنما بشكل مغاير وليس بهذه الشكلية التي أثارت التساؤلات وماذا يريد المؤلف؟
الأخلاق وحدة واحدة لا تتجزأ، والطيب لايتصنع بل فطرة وعادة، ومن يتصنع سيكشفه الزمن، خاصة قصص التبرعات المعلنة لأغراض فيها تصوير مُعين وإعلان للكرم والنخوة، أذكر أحد المرات حصلت مناسبة لجمع مبلغ لفك أسر أحدهم، فكانت أعلى المبالغ من شخصية من خارج الفئة الاجتماعية ولا له عليهم طريق أصلا، وبعد الإشادة بكرمه ونخوته تبين لاحقاً أنه أحد كبار المتهمين بالرشوة، وأحيل للجهات المختصة!
والله إن هناك من هو طيب وصاحب نخوة لكنه لا يملك المال الكافي ليكون نجماً في العطايا الاجتماعية أو إقامة الموائد لتكريم فلان أوعلان والهدف من المائدة التصوير والتصفيق!
الأخلاق المجتمعية صحيح أنها تأتي بالفطرة والتعايش الاجتماعي (أقصد العادات والتقاليد المختلفة والتعايش معها) لكن لا ننسى أن السلطات العليا بيدها تغيير حتى ثقافة المجتمع بعدة طرق، ولنا في إحدى الدول مثالا حاضرا عندما بدأت ثقافة جزء كبير من المجتمع بالتغيير للنقيض، بسبب توجهات عليا ألزمت الجميع بحد معين، حتى أن أحد الظرفاء علق قائلا: يبدو أن الحلال والحرام بقرار من ولي الأمر!