هروب العمالة الوافدة.. تجارة مربحة

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لا شك أن العمالة الوافدة في الوطن قدمت وتقدم الكثير في خدمته، وأن الأمور أشبه إلى المستحيل دونها، وأن قراءة هذا الأمر تحتاج إلى توازن دقيق بين التعامل مع الإنسان وقيمة ورفعة وطن، ونظرة الأمم إليه في الجانب الإنساني، وكذلك على قوائم المنظمات العالمية، لكن يقابل كل ذلك مصلحة مواطن، هي على رأس الأولويات، والمصالح في أنظمة وقوانين أي دولة من دول العالم، ولذلك فإنّ الانطلاق من قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وبكل إنصاف هي الفيصل في هذا الجانب المهم الذي يرتبط بالتعمير والتجارة ومصالح كثيرة متداخلة.

فحينما يشرّع الوطن قوانين ويفرض رسوماً معينة مثلاً، فإنَّ ذلك حتماً يؤثر على كل ما يتعلق بهذه العمالة مستقبلاً، وكذلك حينما ينظر الوطن إلى تقارير المنظمات العالمية ويراعيها فذلك أمر محمود، لكن هل استطاع المعنيون بهذا الجانب توضيح الصورة الكاملة بنوعية العمالة وسلوكها وطريقة استغلال النظم واللوائح العالمية من ناحية؟ وهل استطاعوا الخروج بقوانين ملزمة وحازمة حينما يكون العامل في الجانب السلبي والمؤدي إلى خسائر فادحة عند أرباب العمل والمواطنين، والذين تأمل الدولة من خلالهم تنشيط القطاع الخاص، بل والاعتماد عليه مستقبلاً؟! أم أن القصد النهائي توجيه الدول نحو الأسوأ، كالكثير من المؤسسات المصرفية العالمية التي توجه الدول بما يرونه مناسبًا لهم وبما يناسب طبيعة تلك الدول ونوعية العمالة التي تعمل لديهم؟

ما يحدث اليوم من تعامل مع هروب العمالة الوافدة والعمل لصالحهم في حساب الربح والخسارة وبكل عشوائية، أرى أنه يجب أن يتوقف وفي أقرب وقت؛ بل إنه لا يمكن القبول به أكثر ولو ليومٍ واحد؛ فمن خلال بيئة خصبة متعاونة منهم جميعاً، عندما يدفع أصحاب المؤسسات مبالغ ورسوما في مختلف الأماكن، أصبح هذا المبلغ مرتفعاً مقابل العمل اليومي للعامل، ولذلك فإنه تلقائياً ومن المناسب أن يعمل لصالحه مقابل تلك المبالغ دون أن يدفع منها شيئاً، مستغلا اللوائح التنظيمة المتساهلة، وبعد كل ذلك فإنّ صاحب العمل عليه الإبلاغ ودفع قيمة تذكرة سفر تكون هديةً لاستقباله عندما يرى أنه اكتفى فيُرحب به؛ بل إنه يُسأل إذا كان لديه مطالبات أو شكاوى وكأنه في الطرف المخطأ في حقه!

ويكون قد حوّل كل أمواله بطرق أسهل في نظمها من أي دولة في العالم، فبالمنطق هل هذا الإجراء سليم وصحيح خاصة إذا أضفنا إليه أنه وبعد كل حين يفتح الوطن الباب منادياً وطالباً منهم العودة وتسليم أنفسهم؟ لقد أصبح هذا الأمر لديهم عرفاً وتقليداً راسخاً، ويتم الترحيب بهم والقيام بإجراءات السفر لهم. فهل هذا أيضاً يتم لمصلحة منتفعين لهم المقدرة على التأثير في كل تلك القوانين وقد يكونون من أصحاب الشركات الكبيرة التي أنهت مشاريعها الرئيسية، وأنه على الدولة تحمل باقي التبعات؟ هنا علينا جميعًا أن نفكر بعمق، فإذا كانت قيمة البشر متساوية وترك العامل يواجه صاحب العمل متساويين فيما يدفعان للضرائب وتطبيق القانون، فهذا أمر طيب، غير أن الأمر في هذا السياق موجه إلى جانب واحد فقط، لدفع تبعات كل شيء وهو رب العمل.

إذا كانت هناك متابعات ودراسات من المختصين، فلكم أن تسألوا كم أصبحت قيمة العامل بالأجر اليومي، لقد تضاعفت خلال فترة وجيزة جداً، وخوفي أن ما يتم من تعمير بأسعار اليوم ومقدرة المواطن عليه، أن يتحول حلماً بعيد المنال، وفي القريب العاجل، وعليكم معرفة الأسباب وأولها الرسوم.

أما الحل ومن وجهة نظري الشخصية، فهو أن يكون هناك اتفاق واضح وصريح بين الدول يتم تسليم نسخة منه إلى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ويوقع عليها من أراد العمل في السلطنة، وأنه إذا هرب من مقر عمله فإنِّه مخيّر بين دفع مبالغ متفق عليها عن كل شهر يتغيب فيه، أو يدفع ذلك من خلال عمل ملزم في مناقصة حكومية لمبنى رئيسي يغلق من جميع الجهات وتتم حراسته، وإذا اعتقد مشرّع القانون أن ذلك صعب فإني أعده أنه لو تم إقرار القانون، فستُحل نصف المشكلة، ولو تمَّ تطبيق القانون وبكل مصداقية؛ فإن واحداً لن يتغيب، وسيكون الوطن بذلك حافظ على حقوق الجميع بكل وضوح ومعرفة، من خلال العامل ورب العمل والدولة التابع لها والمنظمات العالمية. وأوضّح أن زيادة الرسوم بين حين وآخر تنعكس سلباً، وتُستغل من قبل العمالة، للعمل لصالحهم، والتسبب في غلاء شديد يفوق كل التوقعات؛ لأنه بذلك أصبحت قيمته أعلى والقوانين في صالحه، وفي النهاية يدفع المواطن رب العمل قيمة كل ذلك.

وعلى أي حال، فإن المُقترح هو لتوضيح حجم المشكلة، غير أن المختصين قد تكون لهم حلول أفضل، ومن ثم نطالبهم بالاجتهاد العاجل.