هل نستطيع؟!

مدرين المكتومية

أيامًا عصيبة نمرُ بها الآن، ونحن نَئِن تحت وطأة الموجة الثالثة من تفشي فيروس كورونا في بلادنا، أصيب أقرب الناس إلينا، وفقدنا أعزاء، خيَّم الخوف والترقب على مئات الأسر، بينما ساد الحزن والكآبة بيوت العشرات ممن اقتنص الفيروس أرواح أحبائهم.

نعيشُ أيامًا تكاد تأخذ منا كل ما هو جميل، سرقت الابتسامة من وجوه الكثيرين، غابت الفرحة من قلوبنا وقلوب غيرنا، ما زلنا نحيَا في عُزلة، ونعمل في عزلة، وربما نُحب في عزلة!! الواقع الحالي يعلمنا دروسا قاسية في الإيمان بالأقدار والمحتوم، لا حول لنا ولا قوة، نعيش أوقاتا جاءت لتسرق لحظات العمر، تساوي بين أيامنا، تجعلنا نصرُخ كل لحظة في دواخلنا، تتصاعد الآهات، تُحبس الأنفاس في الصدور، لكننا وبينما نحن والعالم من حولنا كذلك، يهلُّ علينا شهر رمضان الكريم، بأيامه المباركة، وساعات صيامه المليئة بالصبر والذكر، وروحانياته التي تضفي على حياتنا الكئيبة الانفراجة والسعة.

يُقبل رمضان على البعض منا وقد فقد حبيبًا أو عزيزًا لديه، لم تعد هناك إفطارات عائلية، ولا زيارات، ولا تواصل إلا عبر أجهزة الاتصال اللعينة، التي أفقدتنا مشاعرنا، وجمدت عواطفنا، وجعلتنا نتعامل مع الآخر ببرود وعدم اكتراث، فتلك الأجهزة الصلبة الصماء، لا تمنحنا دفء المشاعر، ولا لمسة يدٍ حانية، ولا عناقًا لمن نحب.. يُقبل الشهر الفضيل وربما أحدنا مصاب بالمرض، أو على سرير العناية المركزة يرجو رحمة الله.

رمضان هذا العام ليس كالعام الماضي، صحيح أنَّ ثمة تشابهًا في أننا نعيش تحت ضغط كورونا، لكننا في العام الماضي لم يكن الوضع بهذا السوء، وإنما سجلنا ارتفاعًا بأعداد الحالات والوفيات بعد أيام عيد الفطر، فيما أننا هذا العام يأتي رمضان والقفزات في أعداد المصابين تتزايد يوما تلو الآخر، تجاوزنا الألف الأولى والثانية بل والثالثة، فيما أعداد الوفيات لا تريد أن تتراجع، يوميا نسجل أرقاما لم نعهدها، وسط ضغط هائل على القطاع الصحي.

أتحدث عن رمضان هذا العام، وفي داخلي دعوة صادقة لكل فرد في هذا المجتمع لأن ينظر بعين الاعتبار للشهر الفضيل على أنه شهر الرحمة، شهر العبادات، وليس شهر البذخ والإسراف في شراء كل الأطعمة والمشروبات، بل علينا التريث والحرص على شراء ما نحتاجه فقط، لنتفادى الزحام في المراكز التجارية ومحال التسوق، فما المجدي من التهافت على شراء الأغراض يوميا ومعظمها يجد طريقها إلى سلة المهملات قبل نهاية اليوم؟!! فالواقع يشير إلى أنَّ الأيام المقبلة لن تكون سهلة أو يسيرة، وإنما سنشهد ارتفاعات جديدة في الإصابات والوفيات بمرض كورونا.

علينا أن نكون أكثر مسؤولية وحذرا، وأكثر قدرة على السيطرة على مشاعرنا، لأن مجازفة واحدة كفيلة بأن تُودِي بحياة شخص نحبه.

علينا أنْ نستغل هذا الشهر الفضيل في التركيز مع العبادات في المنزل، بل أدعو كل من يستطيع أن يحصل على إجازة من العمل خلال هذه الفترة فليفعل، وليبني ما يسميه الخبراء "فقاعة الحماية"، بحيث لا يُقابل ولا يلتقي ولا يستضيف أي شخص من خارج أسرته الصغيرة، كي يبقى في أمان وبعيدا عن أي عرضة للإصابة بالمرض.

وهنا.. أودُّ التركيز على نقطة بالغة الأهمية، وهي أننا لا ينبغي أن نمارس التذمر وتصيُّد الأخطاء على غيرنا؛ فمن أصيب بالمرض ندعو له بالشفاء العاجل، بل ونسعى لرفع معنوياته، علينا أن نكون خير معين له على ما أصابه. وفي الوقت نفسه إذا شعر أي أحد منا بأنه مصاب بأي عرض من أعراض مرض كورونا، عليه أن يعزل نفسه، ويستشير الإطباء، لإرشاده لما هو صحيح.

... إنَّ توخِّي الحذر في هذه المرحلة، وهذا التوقيت بالذات يستدعي عدم التزاحم في الأسواق، وأن نتقيَّد بالإجراءات الاحترازية الصادرة عن الجهات المعنية، وأن نلتزم بقرارات اللجنة العليا فيما يتعلق بمنع الحركة والإغلاق الليلي.

دعُونا خلال هذا الشهر نستغله لكبح جماح تفشي الفيروس، وأن نكون أكثر حكمة، وأكثر توازنًا، وأكثر وعيًا، فلنعقد العزم على رفض التجمعات الرمضانية، لا للعزومات، لا للسهرات حتى وقت السحور، لا للإفطار الرمضاني الجماعي، حافظوا على أنفسكم واحرصوا على حياة من تحبون، ننجو جميعا من براثن هذا الوباء الذي لا يُبقي ولا يذر.