رمضان شهر الصبر

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

يحلُّ اليوم علينا ضَيْف خَفيف يحملُ معه الخير والفضائل والأمل، يسمُو بأرواحنا إلى المراتب العليا، ويرقى بنا ويهذبنا ويعلمنا معاني عظيمة وجميلة، وأهم معنى وقيمة يعلمنا إياها شهر رمضان المبارك قيمة "الصبر"؛ حيث يعدُّ الصبر من أعظم التعاليم الربانية التي فُرِض من أجلها صوم هذا الشهر الفضيل.

وقد ذكر الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه سمَّى شهر رمضان شهر الصبر، وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم نصف الصبر". ومع ما نعانيه من تفشي جائحة كورونا، وحرماننا من أمور كثيرة كنا نسعد بها في شهر رمضان المبارك، تتجلى قيمة الصبر واحتساب الأجر والثواب، وطاعة الأوامر التي تصدر عن الجهات المعنية حتى لو لم نقتنع بها اقتناعا تاما؛ فهم يعملون لأجل مصالح الجميع، وقد تكون قراراتهم لا تتوافق مع رغبات عدد لا بأس به من البشر، ولكن الصبر هو العنوان الأبرز الذي يجب أن نتسلح به جميعا؛ سواء قبلنا أو رفضنا.

ولا شك أنَّ "اللجنة العليا" هي منا وفينا، وتصدر قراراتها بما يتوافق مع سلامة المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة، وقد تلاحظ لدى الجميع أن القرارات تزداد وتشتد كلما زادت أرقام المصابين وأرقام الوفيات، ومن هنا فإن السلامة هي شرط أولى، والتشديد في الإجراءات من الجوانب الضرورية حسب رؤية اللجنة؛ حيث ثبت لها خلال رمضان الماضي زيادة الأعداد نتيجة التجمعات العائلية والسهرات الليلية؛ فكان العيد هو المتمِّم الذي كثُرت بعده أعداد الإصابات. وبما أن شهر رمضان شهر الصوم والصبر على الطاعات والابتعاد عن المحرمات والصبر على الجوع والعطش...وغيرها من أنواع الصبر التي يؤجر عليها المسلم، فعلينا أن نستشعر فضل الصبر على القرارات التي تصدر من الجهات المختصة حتى لو لم تَرُق لنا، والصبر سوف نجني ثماره ونستفيد من فضله عندما نكون مساهمين فاعلين في عدم نشر هذا الفيروس الذي بسببه فقدنا أعزاء علينا، وسنرى أثره في قلة عدد المصابين في المستشفيات التي ضجَّت بعدد المتأثرين ممن يكتوون بألم الوجع نتيجة الإصابة بهذا الفيروس.

فالصبر الصبر يا إخوان وأخوات، وهي أيام مباركة علينا أن نتضرع فيها بالدعاء ونهجع للعبادة والذكر. واحتساب الصبر في مثل هذه الظروف الاستثنائية له فوائد إيجابية على الجميع، ولكل صابر ومحتسب أجره وثوابه، فقد قرن المولى سبحانه الصوم بالصبر، وأن الصوم سبيل إلى اكتساب خلق الصبر ذلك الخلق العظيم الذي أمر الله به وأعلى منارته، وأكثر من ذكره في كتابه، وأثنى على أهله القائمين به، ووعدهم بالأجر الجزيل عنده؛ فقد قال تعالى: "وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ"، وقال: "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمُورِ"، وقال عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا"، وقال: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً أعظم ولا أوسع من الصبر".

اصبروا على ما أصابنا الله به، وادعوه بضمير صادق في هذه الأيام والليالي المباركة بأن يرفع عنا البلاء والمرض، إنه القادر على كل شيء، ونُهنِّئكم بدخول الشهر الفضيل وكل عام وأنتم بخير وصحة وسلامة وعافية، وحفظ الله عمان وسلطانها وأهلها من كل مكروه، وأعاد الله عليكم الشهر المبارك العام القادم والجميع يرفل بثوب الصحة وقد انجلت ويلات كورونا.. اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والعون على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا وتسلمه منا مُتقبَّلاً يا رب العالمين، ودمتم ودامت عمان بخير.