الهجمات على إيران.. ماذا تُخفي وراءها؟

عبد الله العليان

في الأسبوع المنصرم، هاجمتْ إسرائيل السفينة الإيرانية التجارية "ساويز"، والهجوم -بحسب وسائل إعلام إيرانية- وقع عبر الجو، بينما بعض المعلومات تشير إلى أن الهجوم تم عبر زرع ألغام أرضية، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن "مسؤول أمريكي" قوله: "إن إسرائيل أخطرت واشنطن بأن قواتها ضربت السفينة الإيرانية "ساويز" في البحر الأحمر"، وأضاف المسؤول الأمريكي أن "الإسرائيليين قالوا إن الهجوم جاء انتقاما لضربات إيرانية سابقة لسفن إسرائيلية".

غير أنَّ الأمر كما نعتقد له أبعاد أخرى، لاستهداف إيران في هذه الفترة، وقد سبق ذلك اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، ومحاولة الضغط عليها في قضايا أخرى بشروط أخرى جديدة، غير التي تمَّ الاتفاق عليها قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني قبل أعوام. وربما بحسب الظاهر، يستهدف النشاط النووي الإيراني، واعتباره الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل. لكن هذا القول مداراة لتقدم إيران في المجال العلمي والعسكري، خاصة في السلاح التقليدي المتقدم وإنجازات أخرى علمية، التي يخافها الكيان الإسرائيلي، أكثر من السلاح النووي، الذي لم يستخدمه أحد في الحروب التقليدية سوى في الحرب العالمية الثانية، أو الهجمات الصاروخية. فالسلاح النووي مجرد "ردع"، ورغبة في تحقيق التكافؤ في هذا السلاح بين طرفين متخاصمين. إلا أنَّ الأمر الأهم في المجال النووي، هو أثاره على تطوير مجالات علمية أخرى، غير السلاح التدميري، وهذا ما لا تريده أمريكا وإسرائيل وربما كذلك الاتحاد الأوروبي.

نتذكَّر أن مصر في خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي، بدأت مناقشة البرنامج المصري النووي عام 1954، وتم الإعداد لهذا البرنامج لينتج في العام 1964 بماكيتات أولية، ففكرت إسرائيل في إجهاض هذا المشروع، باغتيال بعض علماء الذرة المصريين، ثم بدأ التخطيط لحرب عام 1967، فماذا تم في هذا المخطط؟

هدد ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، بضرب سوريا، تحت ذرائع دعم الفدائيين الفلسطينيين من الحدود السورية/الفلسطينية لمهاجمة إسرائيل، فاستثارت مصر لهذا التهديد، فأعلنت مصر أنها سوف ترد على التهديد الإسرائيلي لسوريا، فحشدت مصر قواتها على الحدود الفلسطينية، خاصة في صحراء سيناء، وكذلك في غزة التي كانت تتبع إدارة مصر بعد حرب 1948، هذا المخطط كان يستهدف بالأخص إحباط نشاط تحركها في المفاعل النووي في مراحله الأولى، وتأثيرها الكبير في محيطها العربي والمد القومي الداعم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك وجود عدد كبير من القوات المصرية في اليمن التي دعمت الانقلاب على الإمام محمد البدر، في العام 1962، وجرت الحرب وتم ما تم فيها من خسارة مصر وسوريا لبعض أراضيهما وكل فلسطين.

هذا المخطط أيضا تمَّ في العراق، عندما أسس الرئيس صدام حسين المفاعل النووي العراقي، وتعرض للضرب من قبل إسرائيل في محاولة لتدمير المفاعل النووي، فقامت إسرائيل بمهاجمة المفاعل العراقي في العام 1981، وقامت باغتيال بعض علماء هذا المفاعل، ومنهم العالم المصري د. يحيى المشد الذي قاد العمل في هذا البرنامج، ووجد مقتولاً في شقته بباريس في يونيو 1980. وتبع ذلك ما تم من مخطط لدفع العراق لاحتلال الكويت، بعد الأزمة الحدودية معها، فعندما قابلت السفيرة الأمريكية في العراق "أبريل جلاسبي" أثناء الأزمة، ودار الحديث حول التوتر الحاصل على الحدود، وحسب بعض التسريبات أنها قالت للرئيس صدام: "نحن يهمنا استمرار النفط وليس توقفه في هذه المشكلة، وهذا الخلاف بينكم". وهذا القول -كما قيل في التسريبات- فَهِمَ منه الرئيس العراقي، أنه لا دخل لنا في هذا الخلاف! لكن الأمر اتجه إلى شيء آخر والقصة معروفة!

لكن إسرائيل تريد أن تفعل مع إيران مثل ما فعلته سابقاً مع الآخرين، والولايات المتحدة طبعًا لن تكون غائبة عمَّا يدور من توترات ومن ضرب السفينة الإيرانية، أو ما تفعله إسرائيل، أو ما تخطط له من محاولات لإجهاض قدرات إيران النووية وتقدمها العلمي والعسكري في السلاح التقليدي. صحيح أنَّ الإيرانيين يتحركون بذكاء في السنوات الماضية سياسيًّا، لكن المخططات تتم في ظل تردي الأحوال الاقتصادية في العالم، ومنها إيران، وهذا ما يحسبون حساباته في استخدام ما سمِّي بحروب الردع، أو ما يعرف بـ"إستراتيجية الردع التدريجي"، الذي يستنزف العدو، أو الرد المرن، وهو ما تم تطبيقه في فترة الحرب الباردة مع المعسكر الاشتراكي، أو كما يقول الباحث الإستراتيجي د. إسماعيل صبري مقلد: "توفير القدرة التي تتيح إرغام الخصم على التراجع عن تصرُّف معين، أو إحباط الأهداف التي يتوخاها من ورائه".

وفي هذا لا يُشار إلى التهديد صراحة علنًا، لكن بعض التصرفات والتهديدات الكلامية تكون إحدى هذه الوسائل كوسيلة من وسائل الردع، بل إنَّ نتياهو صرح بأن إسرائيل "لن تلتزم بأي اتفاق نووي قادم مع إيران".

الحقيقة أنَّ ما قامت به إسرائيل من ضرب السفينة التجارية في البحر الأحمر أحد المؤشرات لمحاولة إمَّا جر إيران لحرب محدودة، لضرب منشآتها وثقل قوتها العسكرية، أو إرغامها على قبول قراراتها غير عادلة، أو استنزافها عسكريًّا أو اقتصاديًّا، لكن كسر الإرادة بالإرغام أمر مستحيل؛ فإيران لديها مع الإمكانيات العسكرية التقليدية، التي تحسب حسابها إسرائيل في أي مواجهة تفكر فيها، لذلك لا نعتقد أنَّ الحرب بمستواها التدميري لن تقع الآن، لكن إيران سترد على ما فعلته إسرائيل بالطرق نفسها التي تعتمدها إسرائيل في طرقها، وهذا يخضع للظروف والخطط العسكرية.