يوسف بن حمد البلوشي
مُواصلةً لحديثنا حول تحولات الاستثمار ودور القطاع الخاص، فلا بُد لشركات القطاع الخاص أنْ تستوعب التغيرات، وضرورة الاندماج فيما بينها لخلق كيانات كبيرة في الأنشطة المختلفة، تكون قادرة على امتصاص الصدمات والعمل بحلول ابتكارية تمكنها من الاستفادة من الفرص في الداخل والخارج.
وهذا لا يعني انحسار دور الحكومة بكياناتها المختلفة في الترويج وجذب الاستثمار الأجنبي، والتي حددناها في الجزء الأول من هذا المقال، وإنما إعادة ترتيب الأدوار لإشراك وتمكين شركات القطاع الخاص -الشريك الفعلي- للمستثمر الأجنبي والمعني بالدفع بملفات الإنتاج والتصدير. هذا إذا ما أردنا تمكين القطاع الخاص وتعزيز مكانته، وإتاحة السبل أمامه للقيام بالدور الأهم في توفير فرص العمل لأبناء عُمان، ورفد الميزانية العامة بالإيرادات والاقتصاد بالعملة الأجنبية من خلال التصدير.
وفي السياق، يُمكن طرح التساؤل التالي: لماذا لا يتم صياغة برنامج استثماري متكامل يستعرض كافة المشاريع الواعدة، وتسليم هذا البرنامج للقطاع الخاص ليضع خطته بناء على ذلك، ليقوم بتقييمه وترويجه عبر النوافذ الاستثمارية: محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وبمشاركة سفاراتنا في الخارج؟ كبديل لممارسات المؤسسات الحكومية، مستفيدة من إمكانيتها المالية، بمسح المشاريع المتاحة، وتسابق القطاع الخاص على إنشائها لوحدها، مدعية عدم قدرة وكفاءة القطاع الخاص على القيام بها. وليس أدلَّ على ذلك من استمرار إشهار الشركات الحكومية في قطاعات إنتاجية عديدة، والتي يجب البدء التدريجي بتخارج الحكومة وشركاتها منها. فالمستثمر الأجنبي لن يقدم على الاستثمار في أية قطاع تُنَافِسه فيه الحكومة أو إحدى شركاتها.
وهنا.. نحتاج إلى إنضاج القناعات بضرورة إعادة تموضع دور غرفة تجارة وصناعة عُمان، ورفع الوصاية عنها، وتيسير السبل أمامها، وجعلها شريكا حقيقيا في صياغة السياسات وتحديد الأولويات الوطنية، وتمكينها من لعب دورها لحشد هِمَم شركات ورجال القطاع الخاص، ورفع شأنهم فلديهم حس وطني مرتفع، وإدراك لمتطلبات المرحلة وتحدياتها وأمامهم واجبات ومسؤوليات تجاه المجتمع، وأن من سيخدم عمان في المرحلة المقبلة، هم من يصنعون فرص عمل لأبناء عمان، وكذلك تتيح التحولات لهم فرصا عظيمة للشركات لتوسعة أعمالها ومضاعفتها والخروج إلى العالمية.
وتؤكِّد المدارس الاقتصادية بأنَّ تهيئة بيئة الأعمال وتحفيزها وتيسيرها لتزدهر أعمال الشركات وتتوسع، هو بديل أفضل من الضغط بملفات التعمين لخلق الوظائف وزيادة الضرائب لتعزيز الإيرادات. فالثاني هو نتيجة حتمية ومباشرة للأول المرتبط بتهيئة بيئة الاعمال، والعكس ليس بالضرورة صحيحا، وإنما قد يؤدي لانحسار وتقويض فرص النجاح. وفي سياق مماثل، تعمل الحكومات على التخارج التدريجي من القطاعات الإنتاجية وإفساح المجال للقطاع الخاص المحلي والأجنبي للقيام بدوره الذي يجيده، حيث من الصعب الجمع بين القطاعين العام والخاص في القطاعات الإنتاجية.
وختاماً.. إنَّنا في عالم متسارع الأحداث، والتنافس محتدم، والمعركة حامية الوطيس للظفر بجزء من حصاد الاستثمار العالمي بين دول المنطقة في التعامل مع ملف جذب الاستثمار الأجنبي والدخول في شراكات إستراتيجية، وتوزيع وانسجام الأدوار أمرٌ مفصلي لنجاحنا في المرحلة المقبلة. ولا شك أن تغيير الأدوار يتطلب استيعاب وإيمان الجميع بأننا جميعا -حكومة وشركات ومجتمعا- نعمل معا لرفعة واستقرار عُمان، وتحقيق رؤيتها، وأن على جميع ركاب السفينة القيام بالأعمال المختلفة المطلوبة لوصول السفينة إلى بر الأمان، والتجديف في اتجاه واحد، وعدم اكتفاء الجميع بدور الاستطلاع والترقب؛ فمستقبل عمان بأيدي أبناء وشركات عمان، فلنعمل على صناعة المستقبل الذي نريده لنا ولأجيالنا القادمة، والتي لن تقبل المبررات بوجود ظروف خاصة وفيروسات وتدهور أسعار النفط... وغيرها.