الكليات العسكرية تُلهب العقول الفذة

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

خدمة الأوطان بالجد والاجتهاد، وبالعطاء اللامحدود، تُمثِّل اندماجًا وإيمانًا بمسيرة وقيادة أي وطن، وهو من جانب آخر توجه شخصي في مسيرة الإنسان، وكذلك لكسب رزقه؛ غير أن خدمة الأوطان التي ترتبط بتقديم الروح فداءً للوطن، لها نغمة وإيقاع مع النفس البشرية بنكهة خاصة؛ لأن ذلك يعني أنه لا يوجد للإنسان ما يقدمه أغلى من دمه وروحه.

وعندما تجمع الكثير من المقومات والأسس في شعور أي إنسان، تتكون شخصية عسكرية قوامها المعنوية والشموخ من تاريخ وطنه البطولي وتضحياته، وموقع ذاك الوطن في مهابته وعزته واستعداده للتضحيات بين أوطان الكون. كل هذه المعاني وما يُملك من إرث تاريخي تجتمع في نفس رجال قواتها المسلحة لينطلقوا بثبات ومعنوية عالية في حياتهم اليومية المعتادة، أو عندما يكون الداعي للعطاء واجبًا، حين إعلان الحروب. وهناك جوانب في غاية الأهمية تساير تلك المعنوية، لا يمكن بدونها -مهما بلغ تنظيم أي دولة- أن تستقيم بقوة من غيره، وهو الاندماج الشامل بين أعالي القوم ووجهائه، وبين باقي أطياف المجتمع؛ وذلك بانخراط كل هذه الفئات في العمل المشترك.

إنَّ ذلك يعني الكثير من الثقة والتلاحم والتعاضد في أوقات المحن، علاوة على وجود إعلام وطني قدوة وواجهة بل وفي المقدمة، ومن هنا فإنَّ أبناء التجار والنبلاء ووجهاء القوم والقادة، وفي أي مرحلة من الزمن وفي أي دولة من دول العالم، جعلوا من تاريخ العمل العسكري متناغماً ومتغيراً مع فترات التاريخ المختلفة. فلقد كان النبلاء وقادة القوم في مختلف تلك المراحل يفخرون بعملهم العسكري، حتى إنهم يتباهون بزيهم العسكري والأوسمة وميداليات الثناء والتكريم ليكون واقعاً وحقيقةً معتادة في مختلف المناسبات. ولقد كان قديماً أيضاً أن يبدأ تدريب النبلاء خاصةً أعالي القوم؛ من خلال معلمين وفلاسفة وقادة عسكريين، لأفراد بعينهم منذ صغرهم، ولا ينشأ البعض مثل عامة الناس، أو يسمح بتأثير المجتمع العادي على سلوكهم، ويتمُّ التعامل مع ركوب الخيل والمغامرات القتالية والرماية في أوقات مبكرة جدًّا من حياتهم، ولم يكن السبب فقط للاطلاع والمعرفة بذلك، لكن أيضاً لسبر أغوار ومقدرة وشجاعة أولئك الرجال؛ كي يكون وضعهم العملي يتناسب مع مقدرتهم مستقبلاً.

ومن قصص التاريخ أنَّ رسولنا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- في صغره نشأ بالبادية لتعلم الجَلَدْ ومعرفة الكثير من جوانب الحياة، وكذلك فإنَّ محمد الفاتح كان مُعلِّمه محمد بن حمزة الدمشقي الرومي، ومن شدة احترام محمد الفاتح وإيمانه بمعلمه، فقد كان يقول أنا أرتجف بين يديه والعالم بأسره يرتجف أمامي. أيضا الإسكندر الأكبر المقدوني الذي حكم الكثير من دول العالم في زمانه، كان يتلقى التدريب على ركوب الخيل منذ طفولته، وفي موقفٍ تاريخي أمسك بحصانٍ شرس أمام والده الملك الذي لم يصدق ما رأى.

لذلك؛ فإنني -ومن خلال قراءتي للواقع- أدعو إلى أن لا ينسى المهتمون بتربية أبنائهم وتأهيلهم للكثير من المهام المستقبلية أن يلحقوا أبناءهم بالكليات العسكرية التي سيكون لها شأن كبير بوجودهم ومشاركتهم التدريب لحماية الأوطان، وكذلك فإنَّ أعالي القوم يجب أن يكون إلحاق أبنائهم بالعمل العسكري تقليداً أساسيًّا يتباهون به، شموخاً وعزة، وبه يقدمون أبناءهم بما يساير أبناء أي وطن عظيم.