مدارس بلا جدران.. والتعلم عن بُعد!

علي بن حمد المسلمي

ثورة المعلومات والاتصالات والتقنيات والأزمات في عالم اليوم، وضعت النظام التعليمي في تَحدٍّ كبير، خاصة النظام المدرسي، فضلاً عمَّا يُعانيه أساساً من أزمات تعليمية عالقة، لا تتناسب مع روح العصر، كما ذكر ذلك ماثيو هوران في مقاله في الصحيفة التربوية البريطانية FORUM (المنتدى)؛ حيث أشار إلى نظام المدرسة الذي تم تصميمه في القرن التاسع عشر، وتطور خلال القرن العشرين، وأنه لم يعد قادراً على تلبية مطالب المجتمع الحديث، ولم يعد يلائم العالم المحيط به.

وفي ظل أزمة "كوفيد 19"، ظلَّت الأنظمة التعليمية عاجزة عن إيجاد حلول للانتظام المدرسي حتى في الدول المتقدمة منها، وتمَّ استخدام أنظمة تعليمية مستحدثة لم تكن في الحسبان؛ لضعف البنية الأساسية لهذا النوع من التعليم، ولضمان استمرار الطلاب في تلقي تعليمهم؛ مثل: التعليم المدمج، والتعليم عن بُعد.

والتعليم عن بُعد إحدى وسائل التعلم الإلكتروني الذي أفرزته التقنية الحديثة، وهو نقل برنامج تعليمي من موضعه في حرم مؤسسة تعليمية ما إلى أماكن متفرقة جغرافيًّا، والهدف منه توفير التعليم للطالب في بيئة يكون فيها منفصلاً عن بيئة التعلم التقليدية.

ومن حسنات هذا النوع من التعليم: إسهامه في التقليل من الفاقد التعليمي، ويوفر نظامَ متابعة دقيقة لمستوى تقدم الطلاب؛ إذا أحسن توظيفه في تعزيز الرقابه الذاتية لديهم، والاستفادة من أنظمة الرقابة التقنية، خاصة أثناء تأديتهم للامتحانات، وينمي مهارات التواصل الاجتماعي، والتعلم الذاتي الموجه، ويقدم إستراتيجيات تعليمية مشوقة وممتعة وسهلة؛ مما يعزز قدراتهم الرقمية التي يسهل اكتشافها في هذه المرحلة المبكرة من التعليم، ويضمن وصول المعلومة بأقل وقت وجهد ممكنيْن. وعلاوة على ذلك، استشراف المستقبل في ظل منظومة عالمية متطورة تتماشى مع التقدم المتسارع في عالم اليوم الذي يتسم بالذكاء الاصطناعي.

ويمكن توظيف التعلم عن بُعد من خلال المصطلح الذي أخذت به بعض الأنظمة التعليمية؛ مثل: السويد والدنمارك ودولة قطر. و"التعليم بلا جدران" يقصد به "إتاحة الفرصة أمام المعلمين لإثراء الأنشطة التعليمية الصفية، وربطها بالواقع الذي يعيشه الطلاب".

وتقوم فلسفة هذا النوع من التعليم على تعزيز الانتماء للوطن، وقيم المواطنة والبيئة الخارجية المحيطة بالطالب؛ من خلال ما يقومون به من تطبيقات عملية من خلال الأنشطة اللاصفية التي يكلفون بها من قبل المعلمين؛ مثل: زيارة المصانع، والشواطئ، والمزارع، والمستنقعات، والمحميات، والصحاري، والجبال، والسهول، والأودية، ومكامن النفط، والغاز والمياه، والانخراط في العمل التطوعي بشكل عملي يجعل التعليم لديهم ممتعا ومسليا؛ مما يؤدي لصقل معارفهم ومهاراتهم وتجاربهم وشحذ هممهم.

ويمكن الاستفادة من هذا التعليم في عملية التعلم عن بعد، وذلك من خلال الندوات، والمحاضرات، والدروس العملية والتطبيقية، والأنشطة سالفة الذكر، والمحاكاة الافتراضية التي يشارك فيها الطالب في العالم الافتراضي؛ من خلال استخدام وسائط التواصل الاجتماعي: كـ"الواتساب" و"فيسبوك"، و"تويتر"، و"تيك توك"، والفيديوهات والمسجل الصوتي في صقل مهاراتهم في قراءة وتلاوة القرآن الكريم، واللغوية كالقراءة والكتابة، وفي المهارات الحياتية كتعلم تتفيذ مشروع أو تطبيق مهارة يمكن نشرها عبر مقطع تعليمي أو فيلم قصير، والفنون التشكيلية كأنْ يطلب من الطالب تصوير صورة من البيئة المحلية، والتعليق عليها وطرح مسابقة لأجمل صورة تم التقاطها، وفي الرياضة المدرسية في مهارة التعليق الرياضي.

... إنَّ التحديات والأزمات َتنجم عنها مِنَح وعطايا كالتعليم عن بُعد والتعليم بلا جدران، وكما قيل في كل محنة منحة، ومن رحم المعاناة يتولد الخير، وما الثورة المعلوماتية وأزمة كوفيد 19، إلا محن ومنح يتولد منها الخير والشر في عالم متغير، وهذه سُنة الحياة ولله في خلقه شؤون.

تعليق عبر الفيس بوك