مسار جديد للتكافل الاجتماعي العماني

المكرم أحمد بن عبدالله الحسني *

يتساءل البعض ما الذي يجعل المال الحكومي والخاص والمجتمعي في بلدنا العزيز غير كافٍ للحد من تزايد الحالات المعسرة والمتعففة والضعفاء والمحتاجين، رغم التعداد المعقول للسكان، وتنوع الموارد والإمكانيات، وكثرة المؤسسات المعنية بالشأن الاجتماعي، وحسابات التبرع والمساهمات، والجهود الكبيرة للجمعيات الخيرية والمؤسسات الوقفية، وأصحاب البر ومبادرات المسؤوليه الاجتماعية، وتمكين الأسر المنتجة؛ إذ بالفعل يلاحظ نسبة متصاعدة من حالات المواطنين الذين لم يعد بمقدورهم تغطية التزاماتهم؟!!

ورغم كل الجهود المبذولة والمقدرة، لا تزال غير كافية لحسم هذا الملف بصورة جذرية بما يزيح عن كاهل إخواننا المواطنين وأمهاتنا وأخواتنا المواطنات من هذه الأسر والأفراد الكرام ما يُكابدونه من معاناة وقلق يومي لا ينتهي، والجميع بلا شك يتمنَّى إسعادهم، لما هو معلوم وثابت عن أهل عُمان من حبِّهم للخير وشيمهم وأخلاقهم المتأصِّلة في الرحمة والتراحم والتكاتف والتعاضد، فنحن والحمدلله في بلد لا يفترض أن يكون فيه محتاج إلى درجة العسر، ولا أن تواجه جهاته المختصة صعوبة كبيرة في تأمينه اجتماعيًّا.

المال الاجتماعي أصبح تطويره ورفع كفاءته واستثماره وفق منظور جديد ضرورة وطنية عاجلة لإحداث تحول غير تقليدي في مساره. ومع تفهم الضغوط والظروف التي تواجهها الجهات المختصة، إلا أنَّ التفكير المستمر في الحلول وصنعها أولى من اجترار التبريرات، بل هي إحدى أهم وظائف الإدارة الرشيدة.

المسار الجديد للتكافل الاجتماعي العماني يُرسي منظومة متكاملة من خطوتين: إعادة ترتيب وتنظيم مجمل الأموال والمساهمات الاجتماعية من مصادرها الثلاثة: الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع، بدءاً من المخصصات الحكومية المتعلقة بالضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود، ومخصصات الهيئة العمانية للأعمال الخيرية، وأموال صندوق الزكاة والصدقات، والأوقاف المخصصة للجوانب الخيرية والإنسانية والتطوعية، ومبادرات السهم الوقفي وأموال التبرعات والمساهمات المجتمعية من القطاع الخاص والأفراد، فتجمع كل هذه الملايين من الريالات في صندوق وطني واحد بمسمى "صندوق تحيا عمان للتكاتف الوطني والاستثمار الاجتماعي".

والخطوة الثانية مُكمِّلة ومترابطة مع هدف تمكين هذه الأسر اقتصاديًّا، ليكون كمصدر دخل حقيقي لها من خلال إعطائهم الأولوية في الحصول على أراض بمساحات مناسبة باستعمالات تجارية أو سياحية بعقود انتفاع لكل أسرة، وإيجاد آليه لمساعدتهم في بناء الأرض؛ من خلال الصندوق الوطني الاجتماعي الجديد، وعدد من الشركاء الإستراتيجيين للصندوق، كبنك التنمية العماني، وبنوك القطاع المصرفي، ومؤسسات التمويل العقاري، والشركات الكبيرة.

للصندوق إدارة عُليا مُشتركة كمجلس أمناء من وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، تحقيقاً للمقاصد والجوانب الشرعية فيما يخصُّ أصناف الزكاة والصدقات والأوقاف المتعلقة بالعمل الخيري، إضافة لاقتصاديين من هيئة سوق المال وذوي الاهتمام من محافظات السلطنة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ويتولى بلورة السياسات والبرامج المبتكرة وفق أفضل الممارسات الناجحة، وإتاحتها إلكترونيًّا بكل يُسر كأحد مجالات الاقتصاد الرقمي وإدارة تنمية هذه الأموال وتشغيلها. إنَّ عُمان في حاجة لصندوق وطني واحد يكون هو الوعاء الشامل والفاعل الحاسم في كفاءة إدارة خدمات الشأن الاجتماعي الخيري والإنساني والاستثمار فيه، بل وتتطور مهامه ليشمل مساهمات الوطن في مجالات أخرى كالأنواء المناخية وطوارئ الحوادث الطبيعيه والأوبئة لا قدَّر الله.

المال الاجتماعي في أي دولة عنصر قوة وفعَّال بكفاءة عالية في مساندة جهود وأهداف الحكومة في التخفيف عن كاهلها جزءاً من متطلبات التقدم الاجتماعي للمواطنين، وفي انتشال الأفراد بمعدل سنوي من خط الفقر والحاجة إلى مصادر الإنتاج والدخل والأمان الاجتماعي الكافي والمستدام. ولأهميتها البالغة في الحياة جُعِلت الزكاة فرضاً وركناً متقدماً من الأركان الخمسة التي يقوم عليها الدين الحنيف، وتشرفت باقترانها اللصيق بركن الصلاة العظيم في كل موضع.

لدينا، والحمدلله رؤية وطنية عظيمة (عُمان 2040) نسير عليها ونتقدم بها نحو المستقبل، والمسار الجديد للتكافل الإجتماعي العماني يدعم أهداف هذه الرؤية التي كُلُنا -أفراداً ومؤسسات- نقف خلف قيادتنا الحكيمة لتمكين بلادنا الغالية من إنجازها، والنجاح فيها بعون الله القدير.

المواطنون بحاجة إلى دفعة لطيفة من الطاقة والتفاؤل، تخفِّف عنهم كآبات كورونا على معايشهم ونفسياتهم، نعم يحتاجون لمسة صغيرة لاستراحة كبيرة، وكما قيل من تبصَّر تيسَّر، اللهم أنزل علينا لطفك وعافيتك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

 

* عضو مجلس الدولة

تعليق عبر الفيس بوك