حمود بن علي الطوقي
في ظل اعتماد السلطنة على النفط؛ باعتباره المصدر الأساسي الذي تمثل تدفقاته عمودا فقريا لصناعة التنمية المحلية، فقد شكل هبوطه منذ عام 2014. تداعيات نشأت عنها فجوة كبيرة، انعكست أبعادها على تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة، مما نشأ عنه ما يُمكن أن نُطلق عليه مصطلح الانكماش الاقتصادي، الذي أصبح واضحًا للعيان، فأصبحت العجلة تدور ببطء مُخلفةً وراءها تأثيرات طالت مختلف الطبقات الاجتماعية الميسورة والمتوسطة وذات الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي، ومع مطلع مارس من العام المنصرم 2020، برزت جائحة كورونا وانعكست آثارها -التي زادت من الطين بلة- على مختلف مفاصل الحياة اليومية، فتأثرت بلادنا مثلها مثل بقية دول العالم؛ حيث خسرت الشركات بمختلف أحجامها الكبيرة منها والعائلية، وحتى تلك الشركات التي تندرج تحت عباءة الحكومة (الشركات الحكومية)، وأغلقت العديد من الشركات، وقامت الأخرى بتسريح عمالها؛ نظرا لعدم قدرتها على مواكبة متطلبات الحياة، وودعت عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث أُريد لها أن تكون ساندا وآزرا وشادًّا على يد الحكومة في المضي بعجلة التنمية نحو مختلف التفاصيل.
خلال قراءتنا لأسباب هذا الانكماش، نُدرك أنه من الضروري أن تتدخل الحكومة، وأن تؤمن بأن القطاع الخاص الذي أريد به أن يكون شريكا إستراتيجيا للحكومة، يحتاج إلى أنْ يخرج من عباءة البيروقراطية، ويجب أن تُدرك الحكومة أن تحقيق الشراكة أحد أهم مُتطلبات المرحلة المقبلة، إذا أردنا أن نمضي بهذا القطاع وفق رؤية عمان 2040، كما خطط له، ويجب أيضا أن تسند إليه المناقصات الحكومية لكي يستطيع أن يتعافى من الصدمات التي لازمت القطاع منذ عام 2014، بغض النظر عن قيمها المالية، وفي الوقت ذاته فإنَّ القطاع الخاص مطالب بأنْ يكون أكثر التزاما بعدم تسريح موظفيه، خاصة العمانيين، وأن يستقطب المشاريع ذات القيمة المضافة؛ بحيث يستطيع أن يتكيَّف مع الأوضاع في ظل تقلص التدفقات النقدية، ونقصان الوفورات المالية في الحكومة، وعلى القطاع الخاص أن يبتكر مشاريع جديدة لمواجهة الحالة الانكماشية التي أصابت عجلة دوران القطاعات الاقتصادية؛ لانتشالها من الموت البطيء، لكي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها من الرواتب والمصروفات الرئيسية.
أزمة كورونا أوقعت الضرر بعدد كبير من الشركات وأوضحت الأرقام الرسمية إعلان بعض الشركات إفلاسها، وقد أدى ذلك إلى تفاقم أزمة المسرحين لتندمج هذه الأزمة مع أزمة الباحثين عن العمل.
والسؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة من خلال رؤية التوازن المالي 2020-2024 من وضع حلول فعلية وجذرية للعودة بالاقتصاد إلى مرحلة ما قبل الانكماش، أو أن هذا الوضع سيستمر، أم أن المبادرات التي تطلقها وزارة العمل لتبسيط الإجراءات أمام القطاع الخاص من جانب وتوظيف نحو 30 ألف باحث في القطاعين الخاص والحكومي من جانب آخر، ستعيد للقطاع الخاص عافيته، وكذلك قيام مؤسسات حكومية أخرى بطرح مبادرات وحلول لتجاوز هذه المرحلة الصعبة ستخرجنا من دائرة الانكماش إلى دائرة الانطلاق؟!!!
فعليًّا.. نرى جهودا حكومية تسعى لطرح برامج وخطط للتعامل مع هذه الأزمة الخانقة لكي تستمر عجلة العمل، ونُجزم يقينا بأنَّ هناك سلوكيات قد تعرقل هذه الخطط الهادفة، بعضها متصل بالعقبات البيروقراطية الإدارية، التي يمكن أن نطلق عليها "الفساد الإداري"؛ كونه متصلًا بالمصالح، وهنا يجب على الحكومة ممثلة بأجهزتها الرقابية تضييق الفجوة، وعدم السماح لأية ممارسات خاطئة من قبل موظفي الجهاز الإداري الحكومي قد تُعيق خططها الهادفة نحو الخروج من هذه الأزمة بالانتصار؛ بحيث يكون الارتكاز مقياسا ومعيارا لجودة العمل، وهذا سينعكس حتمًا على متانة الاقتصاد وسياقاته واستقلاليته.
أُجزم وقد يتفق معي الكثيرون بأنَّه بات من الضروري الآن، أن تنشأ صلة مباشرة بين الحكومة -ممثلة في أجهزتها ومؤسساتها من ناحية- وبين القطاع الخاص من ناحية أخرى؛ وذلك بأنْ يتم تجسير العلاقة مع الراغبين في التعامل مع القطاعات الحكومية، خاصة الترويجية والخدمية منها؛ مثل القطاع الصناعي والسياحي، والخدمي واللوجستي، وأيضا قطاع ريادة الأعمال الذي يعتبر أرضا خصبة للابتكار والإبداع بشكل كبير، ولا شك أنَّه بوجود العلاقة التكاملية، ستنتعش معظم القطاعات الاقتصادية وسنشهد الانتعاش الاقتصادي وارتفاع الدخل في الناتج القومي وتقليص الدين العام.
أخيرًا.. يُمكن أن نختم هذا المقال مُؤكدين على أهمية تفعيل مستوى الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهناك حاجة مُلحَّة وضرورية تتمثل في مراجعة القوانين؛ لمواكبتها مع الوقت، وجعلها قادرة على استشراف المستقبل، هذا المطلب الذي ينشده الجميع متى ما تحقَّق فحتما سيتلاشى الانكماش الاقتصادي، وتتفتح زهور التنمية، لتفوح رائحتها الزكية في مفاصل الحياة.