إسماعيل بن شهاب البلوشي
في الكثير من مواقف الحياة التي تحتاج إلى إطلاق الأحكام، فإنَّ أغلبنا يتَّجه إلى ما يرى من نتائج مباشرة وقريبة دون التعمُّق في الأسباب والنتائج أو حتى محاكاة تاريخ تلك الأحداث وما يرتبط بها من أسباب مؤثرة على مسرح الواقع، وإنَّني أرى أننا جميعاً لم نؤدِ دورنا بالشكل الصحيح فيما يتعلق بالعمل والاقتصاد؛ بل إن الأمر يقترب من قبولنا المتواضع لما عليه وضع التجارة والمال والعمل وانخراط المواطن في قيادة وريادة الاعمال التي هي مصدر المال الحقيقي.
وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الوافدَ يسيطر على كل شيء تقريبًا؛ فالوافد أولاً يُمسك بزمام المسؤولية في المناصب الرئيسية في القطاع الخاص، وفي الأعمال الحرة هو صاحب معظم الآلات والمعدات والحفَّارات والزراعة والتسويق والمقاولات، أما المحلات التجارية فإن الاسم عمانيٌ، لكن معظم المُلاّك من الوافدين، وإذا آمنا بأن الوضع كذلك فإن علينا أن نؤمن بأنَّ الأمر أقرب إلى أنَّ الدخل القومي في نهاية المطاف تُقطف ثماره ليذهب جله خارج الوطن بصورة أو بأخرى، وأن سبب اعتمادنا الرئيسي على النفط هو احتراق مستمر وسنوي لرأس المال دون تنمية وطنية داخلية لزيادته وتطويره.
وهناك مُستجدات أصبح أيضًا قبولها تلقائيًّا دون تقصٍّ أو دراسة، وتلك المستجدات هي التعامل والتفاوض بين المواطن والوافد؛ حيث أصبح يفرض رأيه وشروطه بأسلوب اللا خيار عنه، لذلك فإنَّ الحديث هنا ليس عن المال، ولكن الأهم من كل ذلك تحقيق طموح الشباب للعمل وبناء الأسرة والشعور بالأمان الوظيفي، لذلك فإنَّ مجرد المعرفة الواضحة بحقيقة الأمور والسكوت والقبول بها، فإنَّني أرى أن الأمر غير مناسب.
والأهم من ذلك: هل هناك حلول؟ الإجابة: نعم! وذلك من خلال خطة وطنية طموحة ورصينة يمكن وخلال فترة معينة تمكين العماني بمساندة الجميع، ومنهم الباحث عن عمل نفسه، من خلال إثبات مقدرته وجديته التي يستطيع وبكل جدارة إثباتها، وكذلك من خلال تعاون أصحاب المؤسسات والشركات في الأعمال القيادية. أما في مسألة التمكين، فيُمكِن دراسة الكثير من المزايا للعماني الذي يدير مؤسسته فعليًّا؛ مثل الإعفاء الكامل من الرسوم على استقدام العمالة والتجديد، ومزايا أخرى تنافسية تشجِّعه على بدء تجارته، محميًّا ومسنودًا بقوانين وطنية، وبتوجيه وإرشاد.
هنا يمكن ان تلعب غرفة تجارة وصناعة عمان دوراً محوريًّا وفاعلاً، وكذلك تسهيل وقبول دور الغرفة من كل الجهات الحكومية.
إنَّني ومن خلال هذه التوصيات والرؤى، لا أستهين بما قدَّم الوافد، وكذلك ما يُمكن أن يقدم؛ فالكثير من الدول تستفيد من العمالة الماهرة والرخصية في نفس الوقت، غير أن الفيصل في أن يكون العامل تحت إدارتي وتوجيهي كمواطن، وأكون كذلك واجهة العمل، والحديث مع المجتمع، وأن أتفرغ لهذا العمل، وأتحمل كل ما له وما عليه. ومن يعتقد أن العُماني لا يستطيع تحمل مثل هذه المسؤوليات؛ فهو لا يعرفه حق المعرفة.. فالمواطن يحتاج إلى بيئة عمل صحية وواضحة ورصينة وبهذا المستوى، ومن ثم سيقبل التحدي وسيهزم المستحيل. وإن أفضل برهان هو عالم البنوك؛ حيث إن هذا القطاع نجح بأيدٍ عمانية كأفضل ما يكون، وكذلك فإن العماني كمعلم وطبيب ومهندس وغير ذلك وفي أكبر الدول المتقدمة مضرب لأفضل الأمثال في كل ما هو مشرّف.
إذن.. إذا توافرت تلك البيئة، فما الذي سيمنعه من الإبداع في وطنه، خاصةً إذا علمنا وأيقنا أنَّ الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها.. أليس كذلك؟!