تراجع تدريجي للضغوطات الاقتصادية مع تقلص تأثيرات انخفاض أسعار النفط و"كورونا"

"ستاندرد آند بورز": جلالة السلطان يقود الإصلاح الاقتصادي.. والحكومة تسلك مسارا "أكثر صلابة" لتقليل العجز المالي

إرادة سياسية قوية تنفذ الإصلاحات المالية في عُمان

تراجع تدريجي للضغوط الاقتصادية مع تقلص تأثيرات انخفاض أسعار النفط و"كورونا"

النظرة المستقبلية المستقرة مدعومة من تحقيق التوازن بين الضغوط المالية الخارجية وهوامش الاحتياطات الحكومية

رفع متوقع للتصنيف الائتماني حال النجاح في تقليل الدين الحكومي

الحكومة حددت مسارًا "أكثر صلابة" لتقليل العجز المالي المتوقع

جهود عمانية حثيثة لتحسين المالية العامة وتنفيذ الإصلاحات

تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% هذا العام.. ويتسارع بـ5.2% في 2022

استجابة الحكومة للتحديات المالية "أقوى مما كانت عليه سابقا"

تضييق الاختلالات المالية يسهم في إبطاء زيادة الدين

عائدات الخصخصة ساهمت في تعزيز إيرادات الدولة

 

الرؤية- نجلاء عبدالعال

أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية تصنيفها الائتماني السيادي الطويل والقصير بالعملة الأجنبية والمحلية على المدى الطويل والقصير بالعملة المحلية عند "B + / B"، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة.

وذكرت الوكالة في تقريرها- الذي اطلعت عليه "الرؤية"- أنها تتوقع تراجع الضغوط الاقتصادية والمالية على عُمان اعتبارًا من عام 2021، مع تقلص تأثير الانخفاض الحاد في أسعار النفط في عام 2020 وتداعيات وباء "كوفيد-19". ومع ذلك، يتوقع التقرير أن تستمر الضغوط على الميزانية العامة للدولة، وأن يرتفع الدين الحكومي الصافي إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024، صعودا من حوالي 14% في عام 2020.

وأوضحت وكالة التصنيف الدولية في تقريرها أن النظرة المستقبلية المستقرة تأتي بفضل التوازن المتحقق بين الضغوط المالية الخارجية التي ما زالت كبيرة على السلطنة على مدى الاثني عشر شهرًا المقبلة من ناحية، وهوامش الاحتياطيات المالية الحكومية "المرتفعة إلى حد معقول" من ناحية أخرى. وتوقعت الوكالة أن تظل الزيادة في صافي الدين الحكومي مرتفعة حتى عام 2024، لكنها ستتباطأ مقارنة بعام 2020، على خلفية ارتفاع أسعار النفط وخطة الإصلاح المالي للحكومة.

وشرحت الوكالة أن رفع التصنيف الائتماني للسلطنة سيتحقق بصورة أكبر إذا ما أسهمت الإصلاحات المالية في تقليل تراكم صافي الدين الحكومي على المدى المتوسط، أو إذا تحسنت آفاق النمو بشكل ملحوظ أكثر مما يتوقع التقرير. لكن في المقابل، ترى الوكالة أن من المحتمل خفض التصنيف إلى "سلبي"، وقالت إن هذا الأمر سيكون مطروحا إذا ظهرت "مخاطر كبيرة" على تنفيذ خطط الإصلاح المالي، والتي ستشير في حالة حدوثها إلى انخفاض قدرة الحكومة ورغبتها في الحفاظ على المالية العامة المستدامة، ويؤدي ذلك إلى زيادة احتياجات التمويل الخارجي؛ بما يتجاوز توقعات التصنيف الحالية.

وجاء في نص التقرير حسب نسخة ترجمتها "الرؤية": "أكدنا تصنيفاتنا لسلطنة عمان لأننا نعتبر أن الحكومة حددت مسارًا أكثر صلابة لتقليل العجز المالي المرتفع، مدعومًا بإرادة سياسية أقوى لتنفيذ إجراءات الإصلاح ذات الصلة. كما إن الحكومة العمانية شرعت في تنفيذ الخطة الخمسية 2021- 2025 لتحسين المالية العامة ونفذت عدة إصلاحات منذ العام الماضي".

ويبني تقرير الوكالة تصنيفه لعُمان على فرضية أن متوسط سعر النفط يبلغ 60 دولارًا للبرميل كمتوسط في عامي 2021 و2022، و55 دولارًا للبرميل من عام 2023، ارتفاعًا من 42 دولارًا للبرميل في عام 2020. وقال التقرير إنه نظرًا لطبيعة الاقتصاد العماني التي تركز على النفط؛ حيث تشكل المنتجات الهيدروكربونية حوالي 35% من الناتج المحلي الإجمالي، و60% من إيرادات الحساب الجاري، و73% من إيرادات المالية العامة- فإن تصنيف الدولة سيكون حساسا لتحركات أسعار النفط في أي من الاتجاهين صعودا أو هبوطا.

وأشارت "ستاندرد آند بورز" في تقريرها إلى توقعات بتراجع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية مع ارتفاع أسعار النفط هذا العام، مما قد يدعم خطط الإصلاح الحكومية، وقالت الوكالة: "انتعش زخم الإصلاح في عهد السلطان هيثم بن طارق، وتم الإعلان عن تغييرات في سياسات الحوكمة والسياسات الاقتصادية والمالية، ونتوقع أن يتعافى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ببطء بنسبة 1.3% هذا العام ثم يتسارع إلى 5.2% في عام 2022 مع ارتفاع إنتاج النفط بعد رفع حدود إنتاج أوبك بلس".

وأضاف التقرير: "بدأ السلطان هيثم بن طارق عهده مطلع عام 2020 بمواجهة تحديات هيكلية كبيرة- بما في ذلك ارتفاع العجز المالي والخارجي، والنمو الاقتصادي الضعيف، والبطالة المرتفعة نسبيًا بين الشباب- والتي تفاقمت جميعها بسبب الوباء العالمي والانخفاض الحاد في أسعار النفط. وأدخل السلطان تدابير لمعالجة نقاط الضعف في الحوكمة وتدهور المالية العامة. وفي يناير 2021، أعلنت الحكومة عدة تغييرات دستورية، بما في ذلك استحداث منصب ولي العهد ولجنة جديدة لتقييم أداء الوزراء والمسؤولين الآخرين".

وأضاف التقرير: "استجابة الحكومة للتحديات المالية أصبحت أقوى مما كانت عليه في السابق. ومع ذلك، فإننا لم ندرج بعد جميع الإجراءات المعلنة في توقعاتنا"، مشيرا إلى أن من الممكن أن يقابل الإجراءات بعض التأخير قائلا: "قد تختار السلطات تأجيل تنفيذ بعض الإجراءات للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، خاصة إذا ارتفعت أسعار النفط بدرجة كافية لتقليل الضغط على الميزانية".

وتوقعت الوكالة- في تقريرها- أن يبدأ النشاط الاقتصادي العماني في الانتعاش خلال العام الجاري، بعد انكماش يقدر بنحو 6% خلال العام الماضي، وذكرت أنه على الرغم من استمرار التزام السلطنة بخفض إنتاج النفط بموجب اتفاقية تحالف "أوبك بلس"، إلا أنه من المتوقع حدوث بعض النمو في كميات إنتاج المكثفات النفطية -التي لا تدخل في اتفاق خفض الإنتاج- إضافة إلى الزيادة في إنتاج الغاز.

ولذا فإن التقرير يفترض زيادة في الإنتاج النفطي للسلطنة في عام 2022، مما سيساعد على زيادة النمو إلى ما يزيد قليلاً عن 5% العام المقبل، قائلة إن الانتعاش في نمو القطاع غير النفطي سيكون مدعوماً بارتفاع أسعار النفط، إلى حد ما، وانتعاش الطلب العالمي. وقال التقرير: "مع ذلك، نرى مخاطر سلبية على توقعاتنا جراء استمرار القيود المرتبطة بالوباء وأن يكون انتعاش الاقتصاد العالمي بشكل أبطأ من المتوقع".

وفيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، قالت وكالة التصنيف إنه على الرغم من كونه مرتفعا نسبيًا بالنسبة للتصنيف "B +"، إلا أن نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من نظيره في مستويات الدخل المماثلة.

وشرحت الوكالة أنه- تاريخياً- كان النمو السكاني مرتفعاً بسبب تدفقات العمالة الأجنبية، ولكنه كان معتدلاً في السنوات الأخيرة وانخفض بنسبة 4% تقريبًا في عام 2020. ويعزى الانخفاض السكاني إلى انخفاض بنسبة 12% في عدد الوافدين اعتبارًا من نهاية عام 2020، نتيجة ضعف الظروف الاقتصادية والقيود الحكومية على العمالة الوافدة لدعم التعمين. وقالت الوكالة في تقريرها: "لا تزال البطالة بين الشباب مرتفعة نسبيًا؛ حيث تتجاوز 10%. وتهدف الحكومة إلى زيادة مشاركة العمانيين في القطاع الخاص. ونتوقع عودة بعض الوافدين مع تعافي النمو الاقتصادي، لكن النمو السكاني سيظل ضعيفًا مقارنة بمستويات 2011 -2017".

وتضمن التقرير بعض الملامح عن المؤثرات الإيجابية والسلبية المتوقعة على الموازنة العامة والأداء المالي، موضحا أن ارتفاع أسعار النفط والإصلاحات المخطط لها يدعمان المسار الإيجابي للمالية العامة، وذلك بعد ما شهدته من زيادة كبيرة في عجز الميزانية في عام 2020؛ حيث سيؤدي "تضييق الاختلالات المالية إلى إبطاء الزيادة في مستويات الديون الصافية حتى عام 2024، ومع ذلك، لا تزال الميزانية العمومية للحكومة تتعرض لضغوط من احتياجات التمويل المالي الجارية، وآجال استحقاق الديون الكبيرة القادمة، ونتوقع أن تحافظ عمان على ربط عملتها (مع الدولار) بدعم من أصولها الخارجية".

ويمضي التقرير موضحا أنه في عام 2020، أدى انخفاض أسعار النفط وتراجع إنتاجه، إلى جانب آثار جائحة كوفيد-19، إلى تضاعف عجز الموازنة العامة إلى ما يقارب 16% من الناتج المحلي الإجمالي (وفقًا للأرقام الأولية) مقارنة بعام 2019، وانخفض إجمالي الإيرادات بنحو 20%، ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض العائدات النفطية. وأكد التقرير أنه كان من الممكن أن يكون انخفاض الإيرادات أكثر حدة لولا إدراج عائدات الخصخصة البالغة حوالي 1 مليار دولار من بيع 49% من الشركة العمانية لنقل الكهرباء إلى شركة "إستيت جريد كورب" الصينية، و300 مليون دولار من الشريحة الثانية من بيع خط أنابيب الغاز.

وأشار التقرير إلى أنه للتخفيف من النقص في الإيرادات، نفذت الحكومة ترشيدا في الإنفاق؛ تضمن خفض الإنفاق الرأسمالي من قبل الحكومة المركزية والكيانات المرتبطة بالحكومة (GREs)، ووضع نظام تقاعد إلزامي لبعض موظفي القطاع العام، إلى جانب التخفيض في جداول الرواتب لموظفي الحكومة الجدد. ونتيجة لذلك، انخفض إجمالي الإنفاق بنحو 4% العام الماضي.

وذكر التقرير أن السلطنة سيتعين عليها سداد ديون خارجية كبيرة خلال الفترة القصيرة المقبلة؛ حيث سيحِل موعد سداد 4.6 مليار دولار في عام 2021، و6.3 مليار دولار في عام 2022 من سندات "اليورو بوندز" المستحقة والبالغة 2.5 مليار دولار، إلى جانب قروض تجارية بقيمة 7.4 مليار دولار أمريكي؛ بما في ذلك 2.7 مليار دولار أمريكي تسهيلات تمويلية، وكذلك تسهيل ائتمان الصادرات بقيمة 465 مليون دولار، وصكوك إسلامية بحوالي 300 مليون دولار,

وألمح التقرير إلى وجود ما وصفها بـ"مخاطر على الميزانية العامة للدولة"، وذكر أنها ناتجة عن "أرصدة الديون الكبيرة" على الشركات الحكومية وجهاز الاستثمار العماني، مشيرا إلى أنه اعتبارًا من نهاية عام 2020، بلغ هذا إجمالي أرصدة هذه الديون حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة؛ ونحو 60% من الديون المقومة بالعملات الأجنبية (وفي معظمها عبارة عن تمويل لمشاريع كبيرة)، وحوالي 30% منها ديون مضمونة من قبل الحكومة.

وحسب ما جاء في التقرير، فقد انخفض إجمالي احتياطيات العملات الأجنبية بمقدار 1.7 مليار دولار إلى 15 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2020، وتوقعت وكالة التصنيف أن تتعافى احتياطيات العملات الأجنبية على مدى العامين المقبلين بفضل انخفاض عجز الحساب الجاري، بجانب النمو في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وإصدارات الديون الخارجية الحكومية.

ورغم ذلك، قالت الوكالة: "نتوقع أن يرتفع إجمالي الدين الخارجي لسلطنة عُمان (صافي الأصول السائلة الخارجية) إلى 75% من إيرادات الحساب الجاري بحلول عام 2024، صعودا من 36% في عام 2019". وقد تضاعف الدين الخارجي للسلطنة إلى الناتج المحلي الإجمالي ثلاث مرات تقريبًا منذ عام 2015، ليصل إلى 97% في عام 2020. بسبب ارتفاع ديون القطاع العام.

تعليق عبر الفيس بوك