ضد الإغلاق التام

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

بعد مرور أكثر من عام على جائحة كورونا (كوفيد 19)، ما زلنا نسعى لاحتواء تفشي المرض، وجربنا عددًا لا بأس به من الإجراءات؛ منها ما حقَّق النجاح المأمول، ومنها ما لم يُحقق لأسباب عدة، لكن المؤكد أن ثمة إجراءات لم تكن كافية، وأخرى رُبما لم تراعِ جوانب أخرى، خاصة الاقتصادية والاجتماعية. والمخاوف تتزايد الآن مما يروج ويطالب به البعض من إغلاق تام لمدة أسبوعين أو أكثر!

مع التقدير لهذه المطالبات التي تستند إلى دلائل وبراهين وعواطف يقتنع بها البعض، حتى كاتب هذه السطور اقتنع بها يوما ما في بداية الجائحة، لكن ما إن جلستُ مع نفسي حتى تيقنت أن هذه المطالبات بها من الصعوبة والمشقة والتكلفة ما قد يهدد فئات كبيرة من المجتمع، من حيث توفير رزقها ومعيشتها؛ فقلت في نفسي إن الإغلاق التام رغم أهميته الظاهرية إلا أن معيشة الإنسان ورزقه أيضا مُهمَّان؛ فكما يقال: "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"؛ فهناك الكثيرون الذين تكبَّدوا خسائر فادحة في مشاريعهم، وهناك شباب زُج بهم في السجون نتيجة المطالبات المالية الكبيرة المترتبة عن الإغلاق؛ سواء الجزئي أو الكلي. قد يقول قائل إنَّ هناك وفيات وإصابات بدأت في الازدياد نتيجة الموجة الثانية ثم الموجة الثالثة للفيروس، وهذا صحيح، لكن نحن جربنا فيما سبق الإغلاق الكلي والتام ولم يتحقق الفارق الكبير، بل استمر معدل الوفيات والإصابات في الارتفاع، وهناك من مات بالهم وبغيره مما أصابهم من جلطات نتيجة التفكير في كيفية تدبير قوته وقوت أطفاله؟ وكيف يصارع الحياة بعد أن رأى مشروعه التجاري قد انهار في لحظة وضحاها ولم يجد من يقف معه؛ لا من الحكومة ولا المجتمع.. فإذا كانت الدولة تخسر جراء هذا الفيروس، فما بالنا بالمواطن الذي لا حول له ولا قوة.

من تجارب كثيرة نقول إنَّ الفوائد المتحققة من الإغلاق الجزئي ولا الكلي ليست كبيرة؛ ففي الإغلاق الجزئي نرى الناس تتكدس في المحلات التجارية، خاصة في الفترة التي تسبق الإغلاق؛ الأمر الذي تستغرب فيه من جدوى هذا الإجراء. وفي الإغلاق الكلي، تقع الخسائر الفادحة على أصحاب المشاريع الفردية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بل وحتى الشركات الكبرى، وفي صدارة قائمة المتضررين أولئك المسرحون من أعمالهم، والذين يجتهدون لإيجاد مصدر رزق لهم كالباعة المتجولين وغيرهم.

الحلول المطروحة هي في المقام الأول توفير اللقاحات المضادة للمرض، وبكميات كبيرة، مع نشر التوعية الصحية لأخذ اللقاح، ومعاقبة كل من ينشر مقاطع سلبية وشائعات تُخِيف الناس من أخذ اللقاح. ونظرا لما تتمع به السلطنة من علاقات قوية ومتينة مع كل دول العالم، علينا أن نستغل هذه الميزة في جلب المزيد من اللقاحات؛ فالأمر أصبح ذا علاقة بالصداقات والعلاقات وبمن يدفع أكثر...وغيرها من العوامل التي يمكن أن توفر لنا اللقاح. ومن ضمن الحلول المطروحة بقوة: غرس ثقافة التعايش مع الفيروس والتشديد والحزم في اتخاذ التدابير الاحترازية والصحية من وضع الكمامات وتحقيق التباعد الجسدي ومنع التجمعات الكبيرة...وغيرها من الإجراءات، التي ربما تخفف من وتيرة انتشار الفيروس. لكن قرار الإغلاق التام لن يحقق الفائدة الصحية المرجوة، بل سيكون الرصاصة الأخيرة الموجهة نحو الاقتصاد ومعيشة الناس، خاصة أولئك المسرحين والباعة المتجولين وأصحاب المشاريع الصغيرة، والذين يبحثون عن قوتهم ورزقهم يوميًّا، وعلى الجهات المعنية أن تنظر إليهم بعين الرحمة والإنسانية؛ فقد أثقلت الديون كواهلهم، وضاقت الأرض عليهم بما رحُبت..

فالتيسير التيسير، والرحمة الرحمة.. ودمتم ودامت عُمان بخير.