هل سنكسب الرهان؟!

علي بن سالم كفيتان

في خضم الأجواء التي تبعث على التشاؤم والخوف وانتظار ما هو أسوأ، هل نستطيع كأمَّة عُمانية خالدة أن نكسب الرهان؟ لا شك أنَّ هذا التساؤل أصبح مُلحًّا في هذه المرحلة؛ حيث باتت تتنازع عقولنا وقلوبنا؛ فالعقل يؤمن بسلطته التفكيرية القائمة على البناء المنظَّم والتنفيذ الدقيق، بينما القلب يركن للعاطفة واستحضار الصورة النمطية للخوف أو الفرح من مِنظار تدفعه آمال وتطلعات غير حسيَّة أحيانا، ولم يسبق لنا في العصر الحديث المرور من هذا النفق.

لذلك؛ يسود توجُّس وتعلو أصوات متشائمة، بينما تخفت الأصوات المتفائلة لأن سلطة العاطفة طاغية لدى النفس البشرية في الوقت الذي ينازع فيه العقل للإمساك بدفة القيادة، وغالباً ما يواجه الكثير من الأمواج العاتية، وما بينهما يظهر جلد الشعوب وسعيها لاستعادة زمام المبادرة وانتزاع الفرص من رحم المستحيل.

الواقع التاريخي يقول إنَّنا كأمة عُمانية نمرض ولكننا لا نموت، ورغبتنا في تخليد إرثنا الإنساني وخدمة البشرية تفوق كل العواصف والتحديات التي قد تواجهنا؛ فنحن أمة حية بالفطرة، توَّاقة للتغيير، استطاعت أنْ تجد لنفسها مكانًا في زحام الزمن؛ فبلدنا ليس قطعة جغرافية عادية، وشعبنا مجبُول على حبِّ الأرض؛ فمهما قَسَا سطحها يظل باطنها يموج باللين والرحمة على كل خُف عُمانية تدب عليها، وما علينا سوى التنقيب في عوالمها الخفية لنتبين الجميل من مكنوناتها. ما زالت عُمان تختزن الكثير من الخير والأمل، وما زلنا نحن نبحث عن مواطن جمالها الذي لا ينتهي.

في أحد المساءات الشاحبة، جلستُ على رصيف ميناء الصيادين، أرقُب الغروب الأسطوري على جبال ظفار؛ فكانت هناك طيور بعيدة تتجرأ على الوهج الخافت للشمس، ومع كل تحليق أنتزع هاتفي لالتقاط صورة الغروب، فتظهر الشمس وتختفي الطيور، لم أوفَّق في ذاك المساء بصورة تليق بوضعها في حساباتي الإلكترونية، ومع ذلك جلستُ حتى غابتْ الشمس تماما، فقَدِم من المحيط قارب صيد صغير، وكلما اقترب ظهر لي رأسان نابتان في تلك اللُّجة، أخذتني قدماي من على الصخرة، وتقدمت إلى الشاطئ الرملي، ووجدت نفسي أجر معهما القارب.. إنَّهما شابان في العقد الثاني من الحياة، وكانت صدمتي كبيرة بالكم الهائل من الأسماك التي كانت في القارب، فجرَّني الفضول وسألت: من أين لكما هذا؟ قالا: اسأل البحر يا عمي!!

بمُراجعة بسيطة للموقف، سنجد أنَّ وتيرة المساواة في الحقوق الوظيفية تأخذ طريقها بكل ثبات؛ فاليوم لا فروق في الرواتب والعلاوات، كما أن السير لتوحيد أنظمة التقاعد يمضي بخطى حثيثة، وقد تقلصت الميزات والمميزات التي كانت تتمتع بها الشركات الحكومية الى مستوياتها المقبولة، وبات على الوزراء والوكلاء التنازل عن نصف علاواتهم، وجميع هذه الخطوات كانت مَطَالب مجتمعية تم تحقيقها؛ مما يبعث على الأمل ويزيد من حجم كمية التفاؤل خلال المرحلة المقبلة. ورغم قتامة الموقف الاقتصادي في العالم، حققت السلطنة في أول تقرير لهذا العام تقدُّما ملموسًا من حيث الالتزام بسداد مستحقات الدين العام، دون اللجوء لطلب المساعدة من الأشقاء أو من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وهذا بدوره رفع من مستوى الوضع الائتماني للسلطنة، وأسهم في الإبقاء على قوة العملة الوطنية، وكلها خطوات قد لا يلمسها الإنسان البسيط الذي تحكمه متطلباته الشخصية، بينما يُنظر للدولة ككيان؛ فتقوية العملة يجعل الوضع المالي ثابتا، ولا يؤدي إلى التضخم، ومن ثم إشكاليات أكبر، كما حصل في بعض دول المنطقة التي باتت تستجدي العالم لإنقاذها من أزمتها المالية الخانقة.

وكأمَّةٍ حيَّة سادت جزءًا من هذا الكون لحقب تاريخية مختلفة، وزاحمت صناع الحضارات العظيمة حتى بات بعض أحفادها اليوم يحكمون دولًا وجمهوريات بعيدًا عن الوطن الأم؛ لتبقى الروح العُمانية المُلهمة حية، ويبقى شغفنا بالمغامرة قائماً؛ فهذه الأمة لا تستهويها الخيارات السهلة، وأبناؤها لا يركنون للدعة؛ بل يملكون الخيارات التي تُبقيهم احرارًا على ترابهم.. وهذا هو صراعنا اليوم!

فهل سنكسب الرهان؟ ونسير بعُمان لتصبح النمر العربي الأول الذي وثب ونفض غبار الأزمة خلفه؟

هذا هو الأمل، وهذا هو الهدف الذي يقودنا للتفاؤل؛ فقد نرى عُمان تحاكي التجربة الماليزية، أو السنغافورية، أو الخط التركي في النمو والتغيير، لكن يجب أنْ نخفِّف من قدر الضجيج السلبي، وأن نعمل بصمت وثقة مع القيادة الحكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيَّده الله.