رفقا بالرجال!

هند بنت سعيد الحمدانية

 

منذ أن كنت تلميذا بالمدرسة، كنت أحلم بأن أصبح طيارا، اتحكم بأجنحة طائرتي الخاصة، أحلق معها في سمائي الممتدة وأهبط عندما يحين الوقت، كنت فخورا بنفسي ومجتهدا كثيرا ولا أقبل إلا بالمركز الأول على كل منصة، مرت الأعوام بي وأنا انتقل من سلم الى آخر نحو حلمي الكبير، الذي كان يطير بي إليه كنسر لم يكتسب من وجوده سواء مهارة التحليق والتصويب.

حان الوقت، إنها نتائج القبول تتوعدنا بالظهور في أية ثانية، وأنا أترقب بشوق رهيب نصب عيناي زرقة السماء، وأجنحة طائرتي التي اتكأت على السحب البيضاء، لم أحلم بشيء آخر، ولم أقتني من الألعاب إلا الطائرات الهوائية والكهربائية وبعيدة المدى، هل يمكن للأحلام ألا تتحقق، لم أختبر هذا الشعور بعد وأدعو من الله ألا أعيش هذه التجربة.

ظهرت نتائج القبول، وتلاشى معها حلمي الأوحد، وهوت طائرتي لأقرب أرض وارتطمت أجنحتي وتوسدت القاع، لم يقدر الله لي أن أكون ذلك النسر الذي لطالما استوطنني فلم أقبل لدراسة الطيران، ولكني قبلت في كلية الطب، ووجدت نفسي أمام صرح إنساني جديد ومختلف، لم يخطر على بالي في يوم ما أن أكون طبيبا أو أن أقضي بقية عمري بين المرضى والمستشفيات.

بعد اجتهاد سبع سنوات من عمري، وقفت بكل فخر على مسرح التخرج المفتوح، أترقب سماع اسمي متخرجا بكل امتياز من كلية الطب، التي أصبحت لي الهواء والماء وشريان الحياة، أحببت مهنتي بعد أن سلمت عمري وعقلي لها، وأعطيت فيها بكل حب وصدق، ولم يخب ظني بالله ولا بنفسي، وأصبحت طبيبا متميزا من بين جميع زملائي، كانت أمي تترقب تخرجي بشوق غامر على شاشة التلفاز، تنتظر ظهوري مكتسيا بشتي الأسود وعمامة التخرج المميزة ومستلما شهادة الفخر.

اقترب موعد زفافي، إنه الحلم الأخير بعد عناء السنين، بعد كل سنوات الدراسة والكفاح والاجتهاد، بعد فترة طويلة من الادخار والتخطيط لحياة مستقرة وسعيدة مع شريكة العمر المنتظرة، شريكة العمر التي توقفت عند عتبتها كل ملذات الحياة وشغفها ورونقها وهدوئها وسلامها ورضاها.

لكن الصورة الحقيقية كانت صادمة، والمرآة البراقة أصبحت مغبرة، تعذر علي رؤية الصورة بوضوح، شريكتي لم تكن الشريكة، وحبيبة القلب كانت غائبة، وأيامي أمست صاخبة حزينة وكئيبة، أصبحت أشعر أن تعب السنين ضاع هباء منثورا، وبأن كل شيء كافحت لأجله كان كفقاعة صابون طائرة انفجرت في وجه طفل، أكبر خيباتي لم يكن حلم الطيار الصغير ولا أحلامي الصغيرة المتعاقبة التي تلته، أكبر خيباتي كانت زوجة العمر، التي سعيت لأجلها طيلة أيامي ولم أجازى منها سوى بنكران العشرة وبرودة الطباع والمشاعر، فكانت الخيبة العميقة التي حفرت في صدري فجوة لن أقوى على ردمها.

سيناريو حزين ... يتكرر بشكل يومي في أغلب مجتمعاتها، حلم الرجل الوردي للزوجة السندريلا، فيفاجأ بالمرأة الغولة ، وهنا تنكسر الصورة الذهنية ويصاب بالشلل العاطفي.

إلى عزيزاتي النساء ، لست متحيزة ضدكم ولست في صف الرجل ، إنما يزعجني جدا أن تكوني امرأة ناقصة ، امرأة في هيئة ذكر ، اقصد امرأة تتصرف كرجل ، كوني أنت الحلم ولا تكسري لوحتك الفنية الفطرية التي رسمها الله لك ، كوني أنثى فحسب، لم يمر عليك في حياتك "كورس" تدريبي في الأنوثة او نصيحة صادقة من أم أو أخت أو صديقة ، لم تجربي أخذ استشارة من مختص ، أو تفكري خارج الصندوق وتبتكري أفكارك المجنونة الأنثوية الخاصة.

اختصر لك بعض المفاهيم التي قد تنقذ مركبك الهائم في عباب البحر، شراعك الذي تتجارفه الأمواج؛ مرة بردة فعل زوج غير راض، وأحيانا بخيانات متكررة أنتِ سبب رئيسي فيها ، وأخيرا بزواج ثان قد ينهي ما تبقى من نبض القلب الغافي بين ضلوعك.. لست ضدك ، أنا هنا أدعمك لتتعلمي كيف تكوني شريكه ناجحة في مؤسستك الزوجية.

دعيني أبدأ الحديث عن دائرتك الخاصة ودائرته الخاصة ، فالزواج شراكة بين طرفين كاملين ، لا يحتاج أحد من الآخر أن يكمله ، بل يحتاج أن يشاركه اللحظات الحلوة والمرة، يشاركه الفشل والنجاح، يشاركه الصحة والمرض، مرة أخرى أؤكد يشاركه. لا تجعلي من نفسك شمعة تذوب لأجله مثلما تزعمين ، ثم بعد ذلك ينطفئ نورك ، كوني الثريا التي تضيء نفسها ومملكتها وقلبه ، تضيء الجميع وتبقى متألقة لا ينطفئ بريقها، حافظي على كينونتك الخاصة وماهيتك ، ماذا تحبين وهواياتك واسلوبك الخاص و بروتوكولك، الزواج لا يعني أن تتجردي من نفسك وتصبحي الشخص الآخر ، الزواج أن تبقي أنت وتتطوري وتسعدي نفسك والآخر، وأيضا أن لا تتعدي على دائرة *الشريك ، تنشغلي بذاتك عندما ينزوي هو لدائرته المغلقة وعالمه الخاص ، من حق الطرفين أن تكون هناك خلوة ينأ بنفسه عن الجميع ، لحظة مع الاصحاب.. لحظة مع الهوايات.. لحظة تأمل.. أو حتى صمت.

كيف يستقبل الملوك؟! كيف تصطف الحشود تترقب الموكب الملكي، كيف تفرش السجادة الحمراء وتعلو أصوات الأبواق، إنها هيبة الملك تخيم على الأجواء، هيبة الملك الحاضرة بكل قوتها، هكذا يستقبل الرجال في بيوتهم، يستقبلوا كالملوك إنه فن الاستقبال، أن تستقبلي زوجك كملك مهما كان وضعه الاجتماعي خارج بيته، سوآءا كان غنيا أو فقيرا.. عاملا أو وزيرا.. موظفا أو مديرا، سوف يظل الملك في مملكته وبيته، لا تستهيني بفن الاستقبال، فهو مزاج آخر سوف يرتقي بعلاقتك الزوجية أكثر مما تطمحين، استقبلي الملك بابتسامة شوق وسؤال صادق عن يومه وأحواله، انزعي عمامته وفكي ازراره، دعيه يلتقط أنفاسه من بعد معركة الحياة القاسية التي تدور في عالمه الخارجي، دعيه يجد السلام من بعد أول خطوة يخطوها الى داخل داره، اول عشر دقائق من دخوله المنزل خصصيها فقط لحفاوة استقباله ثم انسحبي لعالمك، عشر دقائق من الحفاوة سوف تقلب كل الموازين وتترك أثر الرضا.

يقول وليم شكسبير: (الاحترام لا يكلف شيئا لكنه يعني الكثير)، الاحترام يعني الأعمدة التي تقوم عليها الأسس، لا يمكن لأي كيان أن يبقى ثابت بدون وجود الاحترام المتبادل، والأولى بذلك أن يكون الاحترام هو رباطك المقدس مع شريكك الأوحد تحت الميثاق الذي يربطكما، هو الدستور الثابت الذي يأتي قبل الحب وقبل كل شيء آخر، وهو الهدية الأرقى التي يمكن أن تمنحيها لذاتك وشريك عندما تحترميه وتتقبليه كما هو.

الامتنان ورسائل الشكر هي نسمات الهواء العليلة التي تلطف حر الصيف وتلاطف أرواح البشر، لا يمكن لك كزوجة أن تلعبي دور الأنثى الملكة بدون كلمة شكر أو نظرة امتنان: (ممنونه لك يا زوجي على كل ما تفعله لأجلنا، أسعدك الله، كما تسعدنا دائما، شكرا ليديك وجهدك في سبيل إرضاءنا)، كلمات وعبارات صغيرة وبسيطة ممكن لها أن تطيب خاطر الشريك المنهك، ممكن لها أن تمسح عرق جبينه، ممكن أن ترسم واحة غناء في صحراء قلبه الجافة، كوني الأنثى اللطيفة في الكلمة والنظرة والاحساس.

سيدتي الأنثى ... الحياة قاسية بما فيه الكفاية، لا تتحمل أعباء أخرى، في معترك الحياة الخارجي يكمن الأعداء والحسد ومطاردة الرزق والاوجاع والمكائد، وعندما نعود الى البيت لا نرغب في شيء أكثر من نظرة رضاء وابتسامة شوق وطبطبة يد وكلمة يعطيك ألف عافية، تكفينا هذه فقط لنمسح سواد الدنيا المتناثر على صدورنا ونشعر بالحب والقبول والسلام، وتذكري دائما أنا لست غريبا، أنا القريب الذي أسعى لأجلكم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*** الشريك الذي تحدث عنه المقال: هو شريك الروح، الرجل المسؤول والمكافح، حي الضمير، الذي يعطي كل شيء من أجل اسعاد أهل بيته.

تعليق عبر الفيس بوك