محلل بيانات في المخابرات الأمريكية يسلط الضوء على "الفوضى العالمية"

"ثورة الجماهير وأزمة السلطة" يرصد تأثيرات الثورة المعلوماتية على آلية الحكم

عرض وترجمة - د. عبد الهادي محمد عبد الهادي

في العام 2014 صدرت الطبعة الأولى من كتاب "ثورة الجمهور: أزمة السلطة في الألفية الجديدة" لمؤلفه مارتن جوري، الذي أمضى مسيرة مهنية طويلة محللًا للبيانات بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وفي 3 مارس الماضي نشر موقع "ذا إنترسبت" الإلكتروني مقابلة مع المؤلف دارت حول الآثار المتوقعة لثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي على العلاقة بين النخب والجمهور، كانت المقابلة تحت عنوان: "ترامب والبريكسيت برهنا على نبوءة هذا الكتاب - ما الكارثة التي ستحل بنا؟".

وفي هذا الكتاب، تناول مارتن جوريا الثورات وحركات التمرُّد التي حدثت في السنوات الأخيرة.. يقول مارتن جوريا: إنَّ هذا الحراك هو عادة يكون دون قيادة محددة، ودون برنامج عمل محدد، أو إستراتيجية واضحة. تمرُّد ضد النُّخب السياسية والاقتصادية المسيطرة والحاكمة، ضد كل مؤسساتها من حكومات، وأحزاب، وبرلمانات، وصحف، وجامعات، وبنوك، وصناديق استثمار...إلخ. ثورة من الأسفل، ولكن لا تطرح بديلا عمليا. ساحاتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهو تمرُّد يشمل كل حركات التمرد سواء من اليمين أو اليسار، بدءًا بمظاهرات الربيع العربي، والمتظاهرين ضد شارع المال في أمريكا َQAnon اليمينية في أمريكا، والحركات المتضامنة مع الملونين Black lives matter، إلى بريكست بريطانيا.. كلها يَدَّعِي أنها حركات تمرُّد ضد سلطات النخب المهيمنة.

عمل "جوري" لسنوات في وظيفة محلل وسائل الإعلام العالمية في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في بداية عمله كانت الأمور بسيطة وعدد المصادر المفتوحة قليلا، ولم يكن هناك الكثير من المعلومات التي يتوجب عليه متابعتها وتحليلها، في كل بلد كان هناك مصدر واحد -أو اثنين على الأكثر- هو من يضع أجندة العمل ويصنع جدول أعمال الأخبار، مثلما كانت تفعل صحيفة "نيويورك تايمز" في الولايات المتحدة الأمريكية. عندما كان الرئيس يسأل كيف سيتعامل مع فرنسا -مثلا- كان كل ما عليك هو أن تستشير هذا المصدر أو تلك الصحيفة لتعرف الإجابة. لكن مع مطلع الألفية الجديدة، زادت المعلومات واتسعت لدرجة جنونية وظهر "تسونامي" من المعلومات في مجلدات ضخمة لم يسبق لها مثيل في التجربة الإنسانية؛ ففي العام 2001 تضاعف حجم المعلومات مقارنة بما توفر في تاريخ البشرية السابق، وفي العام التالي تضاعفت عما كانت عليه في العام السابق، وما زالت الزيادة مستمرة حتى الآن.

ومع اجتياح "تسونامي" المعلومات نرصُد قدرا متزايدا من الاضطرابات السياسية والاجتماعية المصاحبة في مناطق مختلفة من العالم، واستمعنا فجأة لأصوات الغاضبين في مناطق حكمها الصمت لزمن طويل، وهنا برز سؤال حول مآلات وتفاعلات الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، وما إذا كان يمكن أن يؤثر على السياسة في العالم الحقيقي.

وأظهرتْ الأحداث التي أعقبت ظهور الطبعة الأولى من الكتاب أنه ربما كان بمثابة "نبوءة" برهنت الأحداث اللاحقة على صحتها إلى حد كبير، وصدرت الطبعة الثانية في ديسمبر الماضي متضمنة فصلا إضافيا تناول فيه الكاتب الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أوصلت "دونالد ترامب" لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت".

ويتوقَّع جوري في كتابه أنَّ ثورة المعلومات التي أطلقتها الإنترنت وفيضان المعلومات وحرية تدفقها عبر شبكة الإنترنت، إلى جانب الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، والحروب الفاشلة، سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار في كثير من دول العالم، واستنزاف شرعية مؤسسات النخب الحاكمة وممثليها في نظر الجمهور، وهو الاستنزاف الذي قد لا يمكن إصلاحه خلال عقود قادمة.

وبفضل أدوات مثل وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) أصبح الجمهور "النشط" قريبا جدا -وأكثر قربا- من هذه النخب أكثر من أي وقت مضى، وكشفتْ نتائج هذا الاقتراب الحميم عورات تلك النخب؛ فظهر أن كثيرا من أولئك الذين يتم تقديمهم لنا نخبًا في مجالاتهم، ويتحصنون خلف أسوار القصور والحراس الشخصيين، عندما أتيح للجمهور النشط أن يتابعهم عن كثب وأن يتفحص ملفاتهم بالتفصيل تبين له أن بعضهم غير مبالين، وكثيرٌ منهم متوسطو الكفاءة أو غير أكفاء، وبعضهم مدعون، أو فاسدون أو معتوهون. وفي الوقت نفسه، اكتشف الجمهور أنَّه عُرضة لكل نظريات المؤامرة وحملات التضليل والمعلومات الكاذبة.

تعليق عبر الفيس بوك