هل نسينا المُنعِم؟!

خليفة بن عبيد المشايخي

إلهي حينما أردت قربا فإنني لم أجد أحدا سواك احتواني وعصمني، وحينما تاه فكري يا ربي في صنع وبديع خلقك فما دلَّني ذلك إلا إليك يا مُكرمي، فجُد على يا ربي بعفو منك فأنت كاسني ومطعمي، وأنت راحمي ومعذبي، إن شئت فلا راد لذلك يا حبيبي يا الله ما طالك مسمعي، فيا ربي صفحا وغفرانا منك أرجوه على تقصيري في حقك يا من خلقتني فسوَّيتني، يا من جعلتني من نسل آدم، وآدم من تراب وأكرمته بسجود الملائكة حين قلت وقولك الحق: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ".

ثمة كلمة أثارت بداخلي رعبا أكبر، فما لبث أن زال وأدبرا، حتى توالت عليَّ هموم وفكر انبرى، يُعلي من لومه متسائلا ومعاتبا: هل فعلا نسيتم المنعم؟ يا الله يا الله يا ربنا لا تجعلنا ننساك واشغلنا بك. لا شك أننا لا نستطيع أن نُنكر أنه في فترة من الفترات، لم نكن جميعنا شيئا مذكورا، ونتفق على أنه في وقت غيبي سابق لم نستوِ على الأرض، ولم نُخلق عليها، ولم يكن لنا وجود بها ألبتة، فربنا تعالى جل جلاله تكرَّم بخلقه لنا في أحسن صورة، وشرَّفنا بأنْ جعلنا مسلمين ومن أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فهل نسيناه جل جلاله. خلقنا وأوجدنا من العدم رغم غناه عنا وعدم حاجته لنا وافتقارنا إليه، وجعلنا خليفته في الأرض التي لم يعيا بخلقهن، فهل عرفناه معرفة حقيقية، وإن كنا ادَّعينا معرفته، فهل أدينا حقَّ تلك المعرفة ولم نجعل له ندًّا ولا شريكًا في طلب النفع والرزق ودفع السوء والضر وكل مكروه عنا.

حقيقة علينا أنْ نتساءل: ماذا قدمنا لربنا تبارك وتعالى ولدينه، طوال ستين أو سبعين سنة زاد ذلك أو قصر من أعمارنا التي نعيشها في هذه الدار الفانية؟ هل الجواب أننا قدمنا الصلاة والصوم والحج وقليلٌ من فعل ويفعل ذلك إلا من رحم ربي؟ هل أحوالنا وعلاقتنا وأهلونا وأولادنا مع الله جل جلاله بذلك المستوى الذي يريده هو وما يجعلنا نستحق رضاه علينا؟

هل قُمنا بمسؤوليتنا تجاه هذا الدين على أكمل وجه حتى يرحمنا الله بسببه، أم تركنا ذلك للغير وقلنا إنَّ ذلك ليس من مسوؤليتنا وأنه يكفي أننا نصلي ونصوم، ثم إن جئنا للصلاة على سبيل المثال لا الحصر: ما هي حقيقة الصلاة التي نُصليها، هل نحن أدَّيناها ونؤديها بخشوع وخضوع كما كان يؤديها حبيبنا المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه؟ وهل حياتنا خارج الصلاة كداخل الصلاة؟

هل الصلاة التي نصليها نهتنا وتنهانا عن الفحشاء والمنكر؛ مصداقا لقول الله جل وعلا: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"؟ وأين نحن من ذلك الحديث الذي يقول: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"؟

أحبابي في الله، إنَّ استقامة أحوالنا وصلاحها واستحقاقنا لرحمة الله وسبب زوال سخطه وغضبه، هو أن نعرف الله معرفة حقيقية تقربنا إليه زرافات بالليل والنهار، وذلك لا يتأتى إلا بأن يأتي الدين في حياتنا كاملا مكملًا، وإيصال ذلك لعامة الناس حتى يفوز الجميع برضوان الله، وينجوا من عذاب جهنم وبئس المصير.

أيُّها الأحباب الكرام، إنَّ بيوتنا لا تعين على زيادة الإيمان، وكذلك بيئات الأعمال وغيرها، ونحن بحاجة لأن يكون منسوب الإيمان لدينا في ارتفاع مستمر وليس في نقصان مستمر، حتى نترقَّى مع الله، وحتى نتحصل على ذلك، فإننا بحاجة لمجالس الذكر والإيمان التي يكثر فيها كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وسماع ذلك يوميًّا.

أيُّها الأخوة الكرام، كم من الناس في هذا الكون يموتون يوميا بدون كلمة لا إله إلا الله، فأين نحن عنهم؟ لماذا تنصَّلنا من مسوؤليتنا تجاههم؟ أليست هنالك أعداد كبيرة من المسلمين ومنهم ربما أهلونا وأحبابنا وجيراننا وأقاربنا وإخواننا، يموتون يوميا، وهم بأحوال مختلفة بسبب بعدهم عن الله، من حيث أنه لا صلاة ولا صيام ولا استقامة على الله؟!!!

ألم يقل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، فأين نحن من تاركي الصلاة ممن تربطنا بهم علاقات قربى وصداقة ومحبة وجيرة؟ لماذا لا يهمنا أمرهم؟ هل ماتت قلوبنا وأصبحت قاسية كالحجر بل اشد قسوة منه، أم ماذا بالضبط؟ هل دعونا لهم في صلواتنا؟ هل أقمنا الليل من أجلهم وأجلنا، والحديث يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"؟

هل تفكَّرنا فيمن تقدم ذكرهم والبعيدين عن الله، أنَّ أولئك يجب التفكر فيهم والإتيان بهم إلى بيئات الإيمان، أم أننا غرقنا في نعم الله، ونسينا دورنا وواجبنا تجاههم؟

هل خصصنا يوميا جزءا من أوقاتنا وجلسنا مع الزوجة والأولاد في بيوتنا وأقمنا معهم بشكل يومي حلقات التعليم والذكر وقراءة القرآن الكريم وتعلمه، أم قلنا إن ذلك أيضا ليس من مسؤولياتنا، وانشغلنا عنهم بالوظيفة وكسب المال واللعب واللهو والسهرات الماجنة، والتجمعات الليلية وغيرها، التي يحدث فيها القيل والقال والهمز واللمز والغيبة والنميمة وإضاعة الأوقات.

هل بدأنا يومنا بصلاة الفجر في وقتها الصحيح وفي جماعة، ومن ثم جلسنا بعدها في قول أذكار الصباح لنكون في حفظ دائم من الله، وأتبعنا ذلك بقراءة سورة يس، وبعدها قمنا لنصلي سُنة الإشراق، وبعد ذلك نسعى في طلب الرزق، وعندما تأتي الساعة العاشرة صباحا ذهبنا لنصلي الضحى، وبعدها واصلنا أعمالنا وسعينا في الأرض مرة أخرى؟

هل حينما تحين صلاة الظهر ذهبنا لنصليها جماعة، وبعدها نختلي بربنا ونقرأ سورة الرحمن مثلا، وحين تحين صلاة العصر صليناها جماعة ونقرا بعدها سورة الواقعة، ثم بعدها نذهب لزيارات الأهل والأصحاب والأقارب وقضاء الحاجات؟

هل قبيل الغروب انزوينا جانبا في خلوة مع الله، ورددنا هذا الذكر مثلا: سبحان الله والحمدالله ولا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ونكون في ذلك حتى وقت دخول صلاة المغرب، فنذهب لنؤديها جماعة وبعدها نجلس لنقرا سورة الدخان، وهلمَّ جرا في صلاة العشاء التي بعدها وقبل النوم نقرأ سورة الملك؟

هل قبيل نومنا الذي يجب أن يكون مبكرا نتوضأ وننام على طهارة وعلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونضبط المنبه لصلاة الفجر، وننوي أن نقوم لها ولصلوات الليل؟

هل خلال اليوم الواحد نقيم حلقات التعليم في بيوتنا ونجمع لها وفيها الزوجات والأولاد لنسمع جميعا قال الله جل جلاله وقال رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟

أحبابي في الله، إنَّ هذا النهج لو طبقناه في حياتنا، وهذا الترتيب لو اعتمدناه وتفكرنا في غيرنا نذكِّرهم بالله تعالى بالموعظة الحسنة والصفات الطيبة والتواصل المستمر، فحتما ذلك سيكون فيه فلاحنا وفوزنا، ذلك أنَّ الله تعالى يقول في الحديث: "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه...." إلى آخر لحديث.

فهذه الأفعال والأعمال والحركات هي قربات إلى الله تعالى، فعلينا أيها الأحباب أن لا نتكاسل عنها ونعمل بها، وأن نسخر أنفسنا وأموالنا لله تعالى ولجهد الدين ولها، وذلك يحتاج إلى مجاهدة النفس ومخالفتها، فالله نسال أن يكون معينا لنا في ذلك... وأحسنتم.

تعليق عبر الفيس بوك