حمود بن علي الطوقي
سنة أولى دراسة جامعية.. والحياة حلوة!
تمَّ قبولي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية تخصص أدب عربي، وتقام المحاضرات حسب الجدول في الحي الجامعي بسويسي، وأذكر أنني ضمن مجموعة الفوج الثاني كنت الطالب العماني الوحيد في هذا الفوج؛ بل الخليجي الوحيد؛ إذ لم ألتقِ بطلاب من دول مجلس التعاون الخليجي أثناء فترة دراستي الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس.
ويتصدَّر اسم محمد الخامس الكثير من المشاهد في المغرب، ومحمد الخامس هو والد ملك المغرب الحسن الثاني، والعديد من الأماكن تحمل اسمه؛ ولعل الأبرز جامعة محمد الخامس التي تأسست في العام 1957، ويوجد في كل منطقة مغربية شارع يحمل اسم "محمد الخامس".
وفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية، خاصة بين طلاب الفوج الثاني، تعرفت على مجموعة من الطلاب من المغرب وليبيا والسودان وفلسطين واليمن وماليزيا وموريتانيا، وعرفت لاحقًا أنَّ كل الطلاب يدرسون مجانا على نفقة الحكومة المغربية، ويتمُّ صرف مبالغ لهم منحةً شهريةً، وكنت أتحدث دائما عن هذه المكرمة من المملكة المغرببة في توفير التعليم المجاني للطلاب العرب والأفارقة، وكيف أن تتحمَّل المغرب هذه النفقات الكبيرة ولا تغلق أبوابها لأي طالب علم.
عدد كبير من الطلاب العمانيين احتضنتهم المغرب، ودرسوا على نفقتها دون دفع أي رسوم، ويعود الفضل للمغرب في تعليم عدد كبير من الطلاب العرب والأفارقة محدودي الدخل. هذه هي المغرب التي لا يعرفها الكثيرون، وما زالت الحكومة المغربية تمنح مقاعد مجانية للطلاب العمانيين ممن يرغبون في تكملة دراساتهم العليا في درجتي الماجستير والدكتوراة.
ونفتخرُ في عُمان بأنَّ عددا كبيرا من خريجي الجامعات المغربية من العمانيين يتقلدون مناصب قيادية، وهناك من أوصلتهم الدراسة الجامعية في المغرب إلى مناصب قيادية؛ مثل: منصب وزير ووكيل وزارة وسفير وقضاة في مختلف المحاكم، وفي جهات أمنية وكُتَّاب وإعلاميون وصناع قرار. نعم.. برز طلاب المغرب بعد تخرُّجهم وأثبتوا قدراتهم ونالوا ما يستحقون من مناصب في خدمة البلاد.
كانتْ السنة الأولى بالنسبة لي مرحلة التعرف على الحياة الدراسية في المغرب، وكذلك التعرف على زملائي من الطلاب العمانيين. ولم يكن لدينا نادٍ للطلاب العمانيين في المغرب، كما هو شأن طلاب القاهرة والأردن، وبعض الدول التي تبتعث الحكومة طلابها لتكملة الدراسات الجامعية فيها، لكن أذكر أننا كنا نستأجر قاعة ابن ياسين في الرباط لممارسة الرياضة، وهذه القاعة متعددة الاستعمالات، وكنا نستأجرها في الإجازة الرسمية يوم الأحد ونلتقي كطلاب لممارسة رياضة كرة القدم، وكنا نُنظم مباريات وبطولات للجاليات، ونتبارى مع الفرق الأخرى، وعادة كنا نتغلب على خصومنا نظرًا للمهارة الفائقة من قبل لاعبينا في كرة القدم.
كانت قاعة ابن ياسين مُلتقى تجمُّعنا، وكنت حريصًا أن أكون متواجدًا في هذا التجمع حتى المسؤولين من الدبلوماسين في سفارتنا كانوا يُشاركوننا في هذا التجمع الجميل؛ الأمر الذي خلق إلفة وصحبة بين الطلاب والمسؤولين في السفارة، وكانت أيضا السفارة تدعو الطلاب للتجمع وقت احتفالات السلطنة بالعيد الوطني المجيد، وكان هذا التجمع من أفضل التجمعات؛ حيث يلتقي الطلاب بسعادة السفير وأعضاء السلك الدبلوماسي وكان الطلاب يأتون حسب استطاعتهم من الجامعات في المدن الأخرى كفاس ومكناس ومراكش ووجدة. وكوني كنت صحفيا ومراسلا معتمدا كنت أنقل أخبار هذه المناسبات، وتُنشر بجريدة "الوطن"، وكانت كل أخبار وأنشطة وزيارات المسؤولين يتم تغطيتها.
هذه الصفة التي أحملها كصحفي جعلتني أقترب أكثر بين صفوف زملائي وأصدقائي الطلاب، وكنت أجري استطلاعات صحفية عن حياة الطلاب العمانيين في المغرب.
أيضا من التجمعات الجميلة للطلاب، كانت تتم خلال فترة شهر رمضان، وسوف أفرد لاستقبال المغاربة شهر رمضان مقالا خاصا للحديث عن هذا الشهر الفضيل؛ حيث كُنا نحرص أن نجتمع كمجموعات على مائدة الإفطار، وكان جامع بدر في الرباط يكتظ بالمصلين، ويحرص الطلاب العمانيون على تأدية صلاة التراويح، وبعض الطلاب كانوا يلبسون الدشداشة العمانية والمصر، والبعض الآخر يلبس الجلباب المغربي ويرتدي البلغة المغربية "النعال"، وفي هيئته وبلبسه المغربي التقليدي لا تسطيع أن تميزه.
السنة الدراسية الأولى بالنسبة لي كانت مهمة، وكانت بمثابة التحدي للاستمرار في تكملة الدراسة؛ فاكتشفتُ أن دراسة تخصص الآداب صعبة، وكنت أفكر في تغيير التخصص إلى الحقوق، ولكن كُنت أتخوَّف من المغامرة، وقرَّرت تكملة المشوار مع اللغة العربية وآدابها، وتكللت المسيرة بالنجاح، وأكملت دراستي بعد أربع سنوات بالتمام والكمال، وهناك زملائي في هذا التخصص ممَّن تعثروا ليكملوا الدراسة بعد 5 و6 سنوات، وهناك من غير التخصص لصعوبة الدراسة.
أعترف أنني نجحت في السنة الأولى بصعوبة، وكنت مُتخوِّفا ومتوترا أثناء الإعلان عن النتائج؛ فقد كانت النتائج تُعلق في القاعة الرئيسية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، والطالب يتعرف على نتيجته حسب الفوج الذي يدرس فيه.
ونتيجتي في السنة الأولى كانت بتقدير "مقبول"؛ فالسَّواد الأعظم كان ينجح بهذا التقدير، والعبقري من الطلاب يحصل على تقدير "حسن"، وهناك تقدير يعدُّ الأفضل وهو "مستحسن"، ومن الدرجات التي يحصل عليها الطالب المتفوق تقدير "جيد" و"جيد جدا"، ولا أحد من الطلاب يحصل على هذا التقدير!
السنة الأولى بالنسبة لي كانت مهمة، وجعلتني أتعرف عن قرب على الحياة في المغرب وأسلوب الدراسة، وقرَّبتني أكثر إلى زملائي الطلاب الذين أُكن لهم كل التقدير والاحترام، وما زلت أتواصل معهم وبشكل مستمر حتى الآن، وقمت بعد مرور هذه السنوات بتأسيس تجمُّع لطلاب المغرب من خلال مجموعة واتساب تحمل اسم (آكدال)؛ هذه المجموعة تجمعنا وتذكِّرنا بفترة الدراسة الجامعية، وكأننا ما زلنا نعيش مرحلة الدراسة الجامعية، رغم مرور أكثر من 30 سنة من تخرُّج البعض من خريجي الجامعات المغربية.