النقد السلبي والتطبيل في السوء سواء

عبدالمجيد الراشدي

المدحُ.. هو أسلوب يستعمل للتعبير عن الإعجاب بالشيء وتقديره، وهو ذكر الصِّفَاتِ وَالْمَزَايَا الْحَمِيدَة؛ سواء كانت للشخص أو لفكرة أو توجه أو قرار، وكما يكون هناك النقد السلبي الذي لا يرى للحسن مكانا، فهناك المدح الزائد المتطرف "التطبيل"؛ الذي يصور كل أمر محاسنه ويتغاضى عن مساوئه مهما كان حجمها وعظمها، ولا يرى إلا من زاوية واحدة، فكلا الأمرين في السوء سواء.

وطبيعة البشر يُحبون سماع المدح، بل ويسعدهم ويطربهم، وفي المقابل تكره النقد الدائم السلبي لأجل النقد ذاته ليس إلا، وليس لأجل معرفة جوانب الخلل لإصلاحها. والمدح في حال وجوبه -أي يوجد ما يبرره- فهو مُحفِّز وأمر إيجابي للمزيد من العطاء والجهد والابتكار، لكن يجب أن يكون في حدود ومن دون مبالغة، لكي لا ينقلب لعكس الهدف المرجو، وإذا قرب المسؤول المداحين منه، ولا يسمع إلا ما يحلو له سماعه منهم، ويزيدون هم من مدحهم لكل فعل، صائبا كان أم خائبا، فلن ينتبه أبدا لخطئه، وإذا أحد من الغير نبَّهه للخطأ قد يعتبر ذلك حسدا أو غيرة أو مجرد رغبة في إحداث الفتن والمشاكل. وهنا، يكون قد جنى على نفسه وعلى العمل القائم به والمرفق بأكمله، وذلك ليس في صالح أحد: لا الدولة ولا المواطن، والمسؤول مهما بلغت حكمته وعلمه وخبرته في حاجة لأن يستمع للآخرين ليبينوا له موطن القصور في الأمور، ويقدموا له الحلول. والمسؤول أحسبه أنَّه بحاجة للفئة المخلصة، وليس بالضرورة للمقربة بحسب المنصب التي قد يكون رأيها ناتجًا عن رؤيتها للأمور من جانب واحد تتداخل معها مصالحهم الشخصية، فلا يعرف من رأيهم ما هو الصح أو الخطأ.

وفي السيرة النبوية الشريفة، قال صلى الله عليه وسلم: "انصُر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسول الله! كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم". وهنا، توجيه نبوي لكيفية نصرة الأخ عندما يقع في الخطأ، وهو أنْ تنبِّهه إلى خطئه وتعينه على الصواب بالرأي الصادق الناصح الذي يقيه عذاب الدنيا والآخرة. أما سكوتك عن ظلم أخيك للآخرين، فهو إعانة له على وقوعه في الخطأ، وتكون قد ساعدته على تكرار ارتكاب الخطأ، بل تكون شاركته فيه.

من أبلغ الأمثلة على إخلاص النصيحة والاستجابة لها، ما حدث لدى خطبة الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن صَدَاق النساء، فبعدما أدرك صِحَّة رأيها المخالف لرأيه وحسن استشهادها بالقرآن الكريم، قال قولته المشهورة: "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، في تعبير صريح عن قمة التواضع والامتثال للرأي الذي فيه الصواب والصلاح.

بلدُنا الغالي عُمان في غير حاجة لمن يُزيِّن الأمور على غير حقيقتها.. لماذا؟ لأنَّ عُمان، التاريخ والحضارة شاهدان عليها، ولا تحتاج لمديح زائف، والتطبيل -أي المدح الزائد- لكل فعل يغم الأعين عن الحقيقة وطريق الصواب، ويؤدي إلى استمرار الخطأ وما له من نتائج سلبية.

ولله الحمد والمنة، فإنَّ باب الرأي الآخر في عمان مفتوح، وقوله من الواجبات المفروضة علينا كمواطنين قبل كل شيء، وهو حق وواجب في الوقت ذاته أقرَّه النظامُ الأساسي للمواطن في مخاطبة الجهات الرسمية في كل ما يهم الشأن العام ويحميه القانون، والكتابة في الصحف إحدى الوسائل المتاحة لذلك في حدود القانون، وعليه أدعو الجميع لأن يكونوا إيجابيين بإبداء رأيهم ورأي المواطنين، ونقل الصورة الحقيقية؛ للارتقاء ببلدنا لأعلى مقام، والابتعاد عن المديح الذي يهدم ولا يبني.

تعليق عبر الفيس بوك