القانون في خدمة الإنسان

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

Dhafiralharthi@gmail.com

اشتملت ديباجة النظام الأساسي للدولة (الدستور) الصادر بمرسوم سلطاني على المبادئ الموجهة للسياسة العامة، والتي تعد من أهم موضوعاتها (الحقوق، والواجبات، والحريات العامة)؛ لأنها تشكل إحدى الركائز المهمة التي ترسخ مكانة الإنسان، ومدى خدمة التشريعات له في كافة المجالات.

وعند صياغة مستقبل الإنسان، لا يمكننا أن نستغني عن القواعد القانونية التي تضمن عيشه بكرامة واحترام، وتكفل سواسية جميع الأفراد أمامه بهدف إرساء أسس العدالة، ودعائم الحق والاستقرار والسلام، كما قد كفل النظام الأساسي للدولة حق الفرد في حماية حقوقه فيالنفس والمال، وتأمين العدالة له، ومساواته وهو ما يعرف بـ"حق التقاضي" الذي نصت عليه المادة (30) من النظام بقولها: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق، وتكفل الدولة -قدر المستطاع- تقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة الفصل في القضايا".

إنَّ الأمن والطمأنينة والحياة الآمنة حق لكل إنسان، تلتزم الدولة بتوفيره من خلال القانون، ووفقا لإجراءاته  المنصوصة والمعلومة للكافة، كما أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة على العمل بالقانون، علاوة على أنَّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، وله الحق في توكيل من يملك القدرة للدفاع عنه، وله الحق أيضًا في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبه شخصيا، أو فيما له صلة بالشؤون العامة، وذلك بالكيفية والشروط التي بينها القانون.

ودون أدنى شك، فإن قواعد الأخلاق تسمو على القانون، بل إن من وظائف القانون ترسيخ الأخلاق وتنظيم السلوك، وإنْ صح لي التعبير مجازًا لقُلت بأن "القانون هو الاستثناء مقابل الأخلاق، الذي يحرص على استقرار التعاملات"؛ فوجود القانون مرتبط بالإنسان وحاجياته؛ لذا من باب أولى طواعية خضوعنا لأحكامه الذي يعد من أهم غاياته عزة الإنسان وكرامته، ولا أبالغ في قول ذلك على اعتبار أنَّ من أهم مصادر القانون وأولها هو الشريعة الإسلامية التي تعد دليلَ الإنسان وسببَ فلاحه.

إن من مظاهر الحرص للقانون ليس سلامة التشريعات وتوافقها مع إرادة الإنسان وحسب، بل وضوح الإجراءات أيضًا وكيفية مطالبة الحق ومتابعته، بل حتى المراقبة والنقد، لذا من الواجبات الأصيلة المنوطة بمهام الهيئات الحاكمة ومؤسسات الدولة المختلفة بيان هذه الإجراءات وسلاسة البروتوكولات المتبعة للقيام بذلك؛ سواءً عن طريق التظلم، أو الشكوى أو الدعوى... وغيرها، وفي المقابل لا يجب أن تُستغل هذه المكنة القانونية بطريقة تعسفية أو كيدية أو مخالفة لنظام العام وأحكام القانون.

ومن المبادئ القانونية التي تعرفنا بجوهر القانون أنه "لا قانون بلا مجتمع ولا مجتمع بلا قانون"، والتي في مضمونها توضح سبب وجوده واطراده على مدى العصور؛ فالإنسان هو محور اهتمام القانون وبدون هذا النظام لسادت الفوضى في حياته، كما أنَّ هذه القواعد لا تتجرَّد من المراعاة والرحمة والتناسب مع مصلحة الإنسان. وفي الختام، مدى فاعلية القانون يعتمد على الإنسان، مما يزيد من حجم مسؤوليتنا جميعًا في تطبيق رسالة القانون الصحيحة أفرادًا ومؤسسات، وكل مفهوم يفيد إرهاق الفرد وإرهابه وتعقيد الأمور وتأخيرها لا يمُت للقواعد القانونية بصلة.

تعليق عبر الفيس بوك