جابر حسين العماني
كنت مسافراً إلى دولة عربية من خلال أحد المطارات الدولية المعروفة، أكملت إجراءات السفر، ودخلت إلى غرفة انتظار الطائرة، فبينما أنا في حالة الانتظار أخذت أقرأ في كتاب عن ابنة الرسول صلى الله عليه وآله (فاطمة الزهراء)، وكان يجلس بجانبي شاب لا يتجاوز الأربعين من عمره، وكلما رفعت عيني من الكتاب رأيت ذلك الشاب يُحدِّق بالنظر تارة إلى الكتاب وأخرى إلى وجهي، راودني إحساس غريب بأن ذلك الشاب يُريد التحدث والتعرف عليَّ، فبادرته بابتسامة عفوية وأخوية واضعاً يدي على صدري مطأطأ برأسي رافعاً عيني إلى عينيه احتراماً وتقديراً له..
كانت تلك الابتسامة جسراً جميلاً للتَّعارف بيني وبينه، لذا قام من مكانه مخاطباً لي بتحية الإسلام: السلام عليكم؟ وبعد رد التحية والسلام عليه، قال: هل يُمكنني أن أسألك سؤالا وتجيبني بصراحة؟.. قلت له: تفضل أيها الطيب.. قال: من هي (فاطمة الزهراء) المكتوب اسمها على هذا الكتاب الذي تقرأ فيه؟!..
قلت له: هي فاطمة بنت مُحمد رسول الله خاتم الأنبياء عليها وعلى أبيها أفضل التحايا والسلام.. قال: ولكني لم أسمع بأنَّ رسول الله مُحمد له بنت اسمها فاطمة؛ فمن أين لك ذلك؟!..
فتحت له الكتاب، وقلت له: اقرأ لتعرف، فجعل يقرأ وعلى وجهه علامات التعجب والاستفهام!!؟، فتحت له أيضاً شيئاً من كتب صحاح المُسلمين عبر الهاتف المحمول الذي أحمله ليتأكد من أنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) له بنت اسمها فاطمة الزهراء..
وبعد أن تأكد من الأمر وتوثق منه، رفع رأسه وهو يقول: مع كل الأسف؛ لا أعلم لماذا مساجدنا ومناهجنا الدراسية تُركز فقط على ذكر أمهات المؤمنين، وليس هناك أي تركيز على ذكر السيدة فاطمة الزهراء، وهي روح رسول الله، ومهجته، وابنته، وسلوته التي قال في حقها أبوها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): (فاطِمَة روُحِي التي بَيْنَ جَنْبِيّ) .
إنَّ ما أريد التعرض إليه في مقالي هذا هو: إجحاف ذكر أهل بيت النبوة والرسالة في مناهجنا العربية والإسلامية، نعم من الجيِّد التركيز على كل ما يرتبط برسول البشرية وخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنَّ كل مفردة في حياته وكل حدث وكل شخص له قيمته في تشكيل الدروس والعِبر لحياتنا، لرسم المواقف الصالحة، وتجنب المواقف الطالحة..
إلا أننا اليوم كشعوب عربية وإسلامية يبقى السؤال قائماً في أذهاننا: لماذا تُركز مناهجنا الدراسية وكذلك مساجدنا ومحافلنا الدينية في بلادنا العربية والإسلامية فقط على بعض الشخصيات في حياة نبينا دون شخصيات، بالرغم من أنَّ بعض تلك الشخصيات التي لا يعتنى بها هي من الشخصيات المرموقة والمحترمة، كشخصية فاطمة الزهراء عليها السلام التي هي ابنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك أبنائها الأبرار الأطهار كالحسن والحسين (عليهما السلام) والذين إذا ذكروا في بعض مناهجنا ذكروا باستحياء وخجل.
ولو رجعنا إلى تراثنا النصوصي الديني لوجدنا سيلاً من الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رفعة مقامها ومقام أبنائها الحسن والحسين وفضل مكانتهما ومن ذلك ما رواه الترمذي في سننه [كتاب المناقب باب مناقب الحسن والحسين (5/661) حديث (3782) ] إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أبصر حسناً وحسينا فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهمَا فَأَحبَّهما"..
ومثله أحمد بن حنبل في مسنده [ج3، ص3] حيث روى بإسناده إلى أبي سعيد الخدري أنَّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ".
وغيرها وغيرها من الأحاديث الثابتة في فضلهما وفضل أمهما وضرورة حبهم ومودتهم وذكرهم والاقتداء بهم، والصلة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلالهم، ومع ذلك يتم إغفالهم وعدم التصريح بسيرتهم ومناقبهم وبالأخص في مناهجنا التعليمية والتدريسية في عالمنا العربي والإسلامي..
اليوم ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين والذي وصل الإنسان فيه إلى القمر نجد فينا من يجهل من هي فاطمة الزهراء بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن هم أبناؤها!! بالرغم من وجود مراكز دراسات تخصصية بكل واحد منهم، وحركة العلم في التعريف بهم قائمة على قدم وساق، ومع ذلك يغيب ذكرهم ولو بالمختصر المفيد عن مناهجنا التعليمية والتربوية بالرغم من فائدة ذكرهم للأجيال..
لذا من الواجب على المُربين والمتعلمين والمتخصصين في المجال التربوي ألا يجعلوا المجتمع منغلقاً يعيش حالة الجهل والتجهيل، فلابد من تسليط الضوء الساطع في مناهجنا الدراسية والتعليمية على تلك الشخصيات العظيمة والمباركة التي ظلمتها المناهج العلمية ولم تتعرض لها بوضوح تام، فهي شخصيات تربت في أحضان النبوة والرسالة على يد خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل وكان لها الدور الفاعل في قيادة الأمة ونهضتها وإعلاء شأنها، من خلال سيرتها العلمية والأخلاقية، لذا ينبغي ذكرها وتعريفها وتدريسها للأجيال بشكل واسع النطاق..
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنَّما أهلُ بَيتِي فيْكم كمَثلِ سَفِينةِ نُوحٍ، مَن رَكِبَها نَجا، ومَن تَخلَّفَ عنْها غَرِقَ وَهَوى) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (ج۱۲، ص۹1، رقم الحديث ٦٥۰۷ )، ورواه كذلك الحاكم في مستدرك الصحيحين: (ج۱۳، ص۱٥۱)، وحكم بصحته.
فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي بأهل بيته، وأول أهل بيته هي ابنته فاطمة الزهراء وأبنائها الأطهار الذين خرجوا من صلبه المبارك، فيبقى دور مناهجنا التعليمية بالعمل بوصية نبينا وذكر هؤلاء العظماء بلا خجل ولا استحياء.