علي الرئيسي
في الأسابيع الأخيرة، شهدتْ أسعار أسهم بعض الشركات في السوق الأمريكية تذبذبا غير مسبوق، وبالذات أسهم بعض الشركات؛ من ضمنها: شركة ألعاب إلكترونية تسمى (GameStop) كذلك: AMC وBlack Berry؛ حيث تطلَّب الأمر استدعاء إحدى شركات السمسرة "روبن هود" للتحقيق معها من قبل الهيئة المشرفة على أسواق المال SEC؛ فما الذي حدث؟ وما هي دلالات وتفسيرات ذلك؟ وهل لها تأثير حقيقي على أسواق الأسهم مستقبلا؟
لقد تمَّ شراء كميات كبيرة من أسهم هذه الشركات من قبل مستثمرين أفراد؛ فقد قفز سهم GameStop من 20 دولارا للسهم الواحد إلى 500 دولار، وشهد سعر السهم تذبذبا كبيرا، وأصبح خلال يوم واحد أكثر الأسهم الأمريكية تداولا. وبصورة عامة، يُمكن توصيف الحالة بأنها من الحالات الروتينية التي عادة ما تحصل في أسواق المال، هناك من هو متفائل بسهم معين، وهناك من هو متشائم. كانت صناديق التحوط تُراهن على أن سعر السهم لابد أن ينخفض؛ لذلك راهنوا على short بمبالغ كبيرة على سهم GameStop، ماذا تعني المراهنة هنا أو short؟ هو أنك تراهن ضد سهم شركة ما. فصناديق الاستثمار اقترضت أسهم هذه الشركة من السوق من ملاك هذه الأسهم؛ وذلك بقصد بيعها بسعر السوق الحالي الذي يعتبرونه عاليا، وبعد ذلك يقومون بشراء السهم عندما ينخفض، ويحققون أرباحًا من فارق السعر قبل إرجاع الأسهم إلى أصحابها الأصليين.
من ناحية أخرى، لديك هناك المتفائلون بالسهم، وهؤلاء قاموا بشراء كميات كبيرة من الأسهم؛ وبالتالي أصبح هناك صراع دعنا نقول بين المتشائم والمتفائل؛ وهذا بالتالي رفع قيمة أسهم الشركات المذكورة وبالذات سهم GameStop وبالتالي اضطرت بعض صناديق الاستثمار لشراء هذه الأسهم بأسعار عالية جدا، أما أولئك الذين اشتروا هذه الأسهم في البداية فقد حققوا أرباحًا قياسية.
تبدو المسألة طبيعية حتى الآن لكن لو تفكرنا في الأمر، أنَّ معظم من راهن على ارتفاع السعر واشترى هذه الأسهم هم أفراد غاضبون (بلغ عدد الأفراد المستثمرين حسب بعض الإحصائيات حوالي ثمانية ملايين مستثمر)، واستخدموا منصات التواصل الاجتماعي Reddit مثلا ومن خلال رابط: WallstreetBets، وقد تمَّ تدوال هذه الأسهم من خلال شركة ٍروبن هود Robinhood، وهي شركة سمسرة لا تأخذ أية رسوم. وكان هدفهم هو أن تُصاب صناديق الاستثمار بخسائر كبيرة كانتقام نوعا ما. وكانت العملية بالنسبة لهم نوعًا من الألعاب الإلكترونية التي أدمن الكثيرون عليها. وقد اضطرت شركة روبن هود بعدها بوقف التداول في أسهم GameStop؛ مما حدا باتهامها من قبل البعض بأنها قامت بذلك حماية لصناديق الاستثمار المراهنة على انخفاض سعر السهم، بينما كان تفسير الشركة أنَّها أوقفت التداول لحاجتها لأموال إضافية لتغطي بها الرهونات المطلوبة. وقد أعلنت الشركة أنها اضطرت لاقتراض حوالي ثلاثة مليارات دولار (رويترز).
يقول مارتن جوريا صاحب كتاب "تمرد الجمهور وأزمة السلطة"، والذي تناول فيه كثيرًا من الثورات وحركات التمرد التي حدثت في السنوات الأخيرة: إنَّ هذا الحراك هو عادة يكون دون قيادة محددة، ودون برنامج عمل محدد، أو إستراتيجية واضحة. تمرُّد ضد النُّخب السياسية والاقتصادية المسيطرة والحاكمة، ضد كل مؤسساتها من حكومات، وأحزاب، وبرلمانات، وصحف، وجامعات، وبنوك، وصناديق استثمار...إلخ. ثورة من الأسفل ولكن لا تطرح بديلا عمليا. ساحاتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يشمل كل حركات التمرد سواء من اليمين أو اليسار، بدءًا بمظاهرات الربيع العربي، والمتظاهرين ضد شارع المال في أمريكا، َQAnon اليمنية في أمريكا، والحركات المتضامنة مع الملونين Black lives matter، إلى بريكست بريطانيا.. كلها يَدَّعِي بأنها حركات تمرُّد ضد سلطات النخب المهيمنة.
يزعم جراي أيضًا أنَّ تكنولوجيا المعلومات أفرزت واقعا يقلص من احتكار المعلومة التي كانت تستمد منها هذه النخب سلطاتها. فندرة المعلومات، ومركزيتها، أتاح للبعض تبوء مراكز قيادية؛ مما أدى لخلق مؤسسات مركزية كالحكومات، والأعمال، والجامعات. الآن.. أصبحت المعلومة متاحة للجميع من خلال تكنولوجيا المعلومات ومنصات التواصل الاجتماعي مما يخلق تحديا غير مسبوق. ويفسر تحدي هؤلاء الشباب الغاضبين في سوق المال ضمن هذا السياق، فهل سينجح هؤلاء في تحدي صناديق الاستثمار خاصة وسوق المال عامة، إحدى أهم دعائم الرأسمالية العتيدة.
* باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية