"المُراهنات الحلال"

جمال النوفلي

الفكرة باختصار هي أنْ نُعيد صياغة المراهنات الرياضية وغيرها من المراهنات المنظمة تجاريًّا، والتي تعتبر شرعا حراما؛ كونها نوعا من الميسر (القمار) الذي حرَّمه الله عز وجل بنص الآية القرانية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

أنْ نُعيد صياغة هذه المراهنات المعاصرة، بما يتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي المعاصر، فتكون حلالًا؛ بشرط التزام مُنظِّميها بالعقود والصيغ الإسلامية المعروفة؛ وذلك من باب التسهيل والتيسير على الناس والمسلمين الذين يجدون أنفسهم محرُومين من كثير من الأنشطة الاقتصادية والرياضية والترفيهية، وكذلك دعمًا لاقتصادات الدول الإسلامية بهذا القطاع التجاري الكبير الذي يُنفق فيه العالم الملايين من الدولارات؛ سواء في الرياضة أو السياحة أو غيرها.

ونحن في هذا المقال، سوف نركِّز على مراهنات المسابقات الرياضية والعلمية؛ لما فيها من نفع وفائدة مرجوة، وتشجيعا للناس وممارسي هذه النشاطات الفاضلة على الاستمرار فيها والتنافس عليها والإتقان في جودتها، وقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"، والسبق هو الجائزة.

ففي سباق الهجن الذي تعدُّ سلطنة عُمان من أهم الدول الداعمة له؛ حيث تُمثل الدولة وصاحب السمو السيد أسعد بن طارق أهم وأكبر الداعمين له. وفي هذا السِّباق، تنحصر التكاليف على الراعي والمشترين وتقتصر الفائدة على بعض الفائزين من أصحاب الإبل بالاستعراض والتسابق؛ مما يجعل المسابقة مجرد ظاهرة نفطية في غاية الترف والسرف. لذلك من كلِّ الفوائد والمحاسن الجيدة في هذه الرياضات، فإنه من حسن إتمام العمل وإكماله أن لا تكون هذه المسابقات محصورة فقط على المشاركين فيها، بل يُمكن من خلال تطبيق نظام (المراهنات الحلال) أن يشارك جميع الناس أو من يرغب منهم في هذه المسابقات لأجل التسلية ولأجل الكسب الكبير؛ وبالتالي يكون لها شعبية أكبر في عُمان والخليج وكل العالم، فتبدأ أسعار الرِّهان مثلا من ريال واحد، فإن فازت الناقة المُرَاهن عليها كسب المراهِن ريالا آخر أو نصف ريال فوق رياله، وإن راهن بألف ريال فإنه سيكسب ألفا فوق ألفه.

إنَّ تحريم الإسلام للقمار (المراهنات) وغيره من المحرمات، جاء في وقت وظروف تاريخية كانت فيها ممارسات اقتصادية وتجارية غير عادلة وغير منظمة، وتؤدي في كل الأحوال إلى ظلم الطرف المحتاج، فتنتج عنها نتائج سلبية وخيمة على المجتمع والناس، فكان تحريمها ضرورة لا بد منها. أما مع التطور الحضاري الكبير الذي شهده العالم خلال القرنين الأخيرين والتحولات الكبيرة على صعيد الأنظمة السياسية والإدارية والاقتصادية ودخول الحوسبة الإلكترونية في حياة الناس، فقد أثر في حقيقة التعاملات وأساليبها وطور منها تطويرا مذهلا، إضافة لعولمة شعوب ودول العالم شرقا وغربا بالنظام الرأسمالي، ومن ثم أصبح لا مناص للفقهاء المسلمين والمنظرين الاقتصاديين من إعادة النظر في هذه التعاملات، وإعادة قراءة الأحكام الشرعية لتجديد الفكر الاسلامي ليكون معاصرا متواكبا مع التطورات الحضارية المتسارعة.

وهو الأمر ذاته الذي تمَّ من خلاله تطوير الفكر الإسلامي في منتصف القرن العشرين ليواكب العالم في استخدامات قطاعات المعاملات البنكية والتجارية وتبادل العملات وقطاع التأمين وقطاعات السياحة والمواد الغذائية الحلال.

... إنَّ الإسلام هو الحل؛ لأنه دين الوسطية، وهو دين الله الذي ارتضاه للناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وطالما أن الإسلام هو الحل فعلى المسلمين أن يعوا هذه الرسالة التي خصَّهم بها لكي ينقذوا البشرية من مُستنقع الانحلال والانحدار، وسيستمر هذا الضلال والضياع إذا لم يتصدَّ الفقهاء وأهل العلم للمسائل الحديثة التي يتعرَّض لها الناس اليوم، ليس بمنعها وتحريمها والعزوف عن المشاركة الحضارية، وإنَّما بإعادة طرحها وصياغتها وفق المقاصد الإسلامية الصحيحة، التي وضعها الله ورسوله كمنهاج يُهتدى به.

وعلى سبيل المقارنة، فقد كانت الجوائز البنكية محرَّمة على المسلمين كونها نوعا من الربا؛ حيث يحصل الناس على أموال مقابل ترك أموالهم لدى البنك المانح للجائزة، فهي عين الربا. أما في البنوك الاسلامية فهي حلال كون الجوائز تكون منحة وهدية للفائزين وفق ضوابط شرعية صارمة، وعليه فإنَّ الأمر ذاته يُمكن تطبيقه على المراهنات الرياضية؛ حيث يدخل مشترو التذاكر في منافسة كبيرة على جوائز وهدايا نقدية كبيرة يقدمها أحد أصحاب السمو أو الأمراء كطرف ثالث أو كنوع من "الجعالة"، أما ريع التذاكر المشتراة فيذهب للمتسابقين والجهة المنظمة، وهكذا يمكن أن تكون المراهنة حلالا، وفق الضوابط الشرعية التي سيضعها أهل العلم. ثم يقبل الناس عليها إقبالا كبيرا لما فيها من جوائز قيمة وخير عميم. وفي الوقت ذاته ينتعش الاقتصاد وتنشط السياحة وتُدرُّ العملات الأجنبية للدولة، وتكون هناك فائدة ملموسة وحقيقية لهذه الرياضات.