أين قطاع الأسماك من التنويع الاقتصادي؟

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

 

تزخر عُمان الخير- ولله الحمد- بالعديد من الموارد الطبيعية التي يُمكن أن تُقام عليها الصناعات المتوسطة والثقيلة، وتكون انطلاقة لجذب الملايين من الريالات والعملات الأجنبية المحلية والاستثمارات الخارجية إذا تمَّ استغلالها بصورة جيِّدة ومنها قطاع الأسماك. فهل يُعقل أن تسجل أقدم شركة للأسماك في البلاد بل في المنطقة خسائر مُتتالية لسنوات عديدة؟ ترى ما هي الأسباب التي تُؤدي إلى هذه الخسائر؟ ولماذا تقوم المؤسسات العمانية باستيراد بعض الأسماك من الخارج وهي مُتوفرة في البحار العمانية  المفتوحة كبحر عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي والتي تحتوي جميعها على مختلف الأسماك التي يقدم عليها النَّاس في العالم؟

إذا تحدثنا بلغة الأرقام فإنَّ الوزارة المعنية رصدت بيانات متفائلة عن حركة الأسماك في عمليات الصيد التجاري والحرفي والمبيعات والتصدير خلال السنوات الماضية، بحيث تم تصدير الأسماك العمانية إلى 57 دولة خلال عام 2019 مقارنة مع 49 دولة في عام 2015، وقد استحوذت دول مجلس التَّعاون الخليجي على 35% من إجمالي تلك الصادرات، فيما يتم تصدير 41% من هذه الأسماك إلى دول آسيوية غير عربية، و4% إلى أمريكا الجنوبية، و4% إلى دول عربية أخرى و7% إلى دول أفريقية، و2% إلى دول الاتحاد الأوروبي، و1% إلى دول شمال ووسط أمريكا و3% إلى دول أخرى. فإذا كان هذا هو الحال في القطاع السمكي، فلماذا تخسر شركة الأسماك العمانية سنوياً؟ وهل هي معتمدة على البيع في السوق المحلي فقط؟ أم لها باع في تصدير الأسماك إلى الخارج؟ ولماذا مساهمة هذا القطاع الحيوي ضعيفة في الناتج المحلي الإجمالي السنوي، خاصة وأنَّ عدة شركات تمَّ إنشاؤها في هذا القطاع ومنها شركة الأسماك العمانية في عام 1988؟ وحتى اليوم فإنَّ المستهلكين يرون أنَّ أسعار الأسماك في السوق المحلي عالية بالرغم من توافر الأسماك بكميات كبيرة في البحار العمانية.

هذه الأسئلة تحتاج إلى الإجابات والشفافية في الطرح في الوقت الذي يعمل فيه الكثير من المغتربين في هذه الشركات سواء في عمليات الصيد اليومي أو البيع أو التسويق. ووفقاً لبيانات الوزارة فإنَّ 80% من إجمالي الصادرات السمكية العمانية تتم عبر الشركات المتخصصة والمجهزة والمؤسسات والشركات غير المتخصصة التي احتلت المرتبة الأولى في تصدير الأسماك، بينما الأفراد العمانيون العاملون في هذه المجالات لم يحظوا إلا بنسبة 20% وهم الذين يمتلكون سيارات نقل وتسويق الأسماك من منطقة إلى أخرى.  فالأسماك العمانية -كما نعلم عنها- لها سوق عربي وعليها إقبال عالمي، وأن المستفيدين من ذلك هي الشركات التي تجرف البحار العمانية وتقوم بعمليات الصيد والبيع والتصدير إلى الخارج، وبالتالي فإنَّ مُعظم عائدات هذه الأسماك تذهب إلى جيوب البعض، وهذه ليست معلومة جديدة. فقد أُتهم البعض الذين أشرفوا على مجلس إدارة شركة الأسماك العمانية في السنوات الماضية بأنَّه كانت لهم تعاملات مشبوهة في هذا القطاع وسمحوا بجرف البحار العمانية لصالح الشركات الأجنبية. ولكن اليوم هناك عمليات مراقبة وإشراف قائمة لتصحيح هذا المسار الذي نأمل أن يتيح المزيد من فرص العمل للعمانيين في مجالات الصيد والبيع والتصدير، وتوفر لهم الجهات المعنية المزيد من الأدوات والأجهزة الحديثة لينضموا لهذا القطاع الحيوي الذي يعتبر ضمن القطاعات الخمسة التي تم ذكرها في مشاريع "التنفيذ" قبل عدة سنوات مضت.

إن صادراتنا من الأسماك إلى بعض الكتل كالاتحاد الأوروبي في تراجع بصورة كبيرة، ووفقاً للأرقام السابقة، فإنّ 2% فقط من إجمالي الصادرات السمكية العمانية تتجه لهذه الدول في الوقت الذي كانت النسبة تبلغ 9% قبل سنوات مضت. ونحن على علم بأنَّ هناك اشتراطات ومعايير معينة تفرضها هذه الدول على الواردات الأجنبية لها سواء في المجال الزراعي أو السمكي. فهل يعني ذلك أننا لم نستطع العمل بتلك الاشتراطات والمعايير ونقدّم مؤسساتنا العمانية بصورة جذابة للشركات الأوروبية التي تعمل في مجال استيراد الأسماك من مختلف دول العالم، أم أن الشركات العمانية التي تدار بأيد وطنية غير قادرة على ذلك في الوقت الذي تشفط فيه الشركات التي تعمل ضمن التجارة المستترة هذه الخيرات نحوها؟

هذه مسألة تحتاج إلى المتابعة، وفي هذا الصدد تقترح الدكتورة إيناس بيريس الخبيرة الاقتصادية الدولية والمدير العام للتنمية الدولية في عالم الأعمال، وهي برتغالية الجنسية ضرورة العمل في هذه المجالات من خلال إيجاد "رابطة" لمصدري الأسماك العمانية بحيث يمكن من خلالها إيجاد التعاون بين المهتمين للعمل في هذا القطاع وبالاشتراطات والمعايير المطلوبة في عملية التصدير لأسواق الاتحاد الأوروبي. وقد أشارت إلى هذا الاقتراح في الجلسة التي عقدت بمجلس الخنجي المرئي مؤخراً للتحدث حول العلاقات العمانية مع الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنه يمكن أن تقام مثل هذه الروابط في عدد معين من المنتجات العمانية الأخرى سواء في المجال الزراعي أو السمكي على سبيل المثال، مؤكدة أنَّ ذلك سوف يساعد في تحقيق المزيد من التقدم في هذا القطاع مستقبلاً.

لا ينكر أحد أنَّ قطاع الثروة السمكية يعتبر من القطاعات الرئيسية في تعزيز برامج التنويع الاقتصادي مستقبلاً، فهو مورد متجدد، يمكن أن يساهم بصورة أكبر في تحقيق فرص العمل للمواطنين، وتحقيق الأمن الغذائي للبلاد بجانب زيادة الناتج المحلي من هذا القطاع الحيوي. ومن خلال تنمية هذا القطاع سوف تزيد المشاريع السمكية التي يتم صيدها بالأسلوب التجاري والحرفي، في الوقت الذي يمكن لقطاع الاستزراع السمكي بجانب التصنيع والتصدير زيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مستقبلاً في وجود البنية التحتية التي توفرها الحكومة لهذا القطاع.