يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"النوارسُ فوق الأمواج أحفادٌ
تتقافزُ على أكتافِ
جِدٍّ عائدٍ من غيابٍ طويل
على شاطئ مسقط".
شوقي عبدالأمير
*****
قبل أكثر من سنة وأشهر قليلة كنتُ في مسقط، عاصمة السلطنة تلك المدينة التي يتسلطن شاطئها اللازوردي على عباب بحر عمان، الذي تحملُ أمواجه وتياراته تاريخًا ممتدًا منذ آجال، مرَّت عليها حقب تاريخية متنوعة أثرت تاريخ المنطقة ككل، وليس تاريخ هذه المدينة الوادعة فحسب.
كأيُّ مدينة تحمل من التاريخ عبقَه؛ فهي تضمُّ بين طيات صفحاتها أسرارا وقصصا رُويت وخلَّدها التاريخ، وقصصا أكثر بالتأكيد لم تمر على كاتب التاريخ ووريقاته، هذه طبيعة المدن المؤثرة لا تُفصح عن كل شيء، خصوصا كمدينة هادئة مثل مسقط، بل إنَّ المعلن قد يكون أقل بكثير مما لم يُعلن أو أخفته دهاليز التاريخ.
حتى أسماء أحياء العاصمة تحمل أسماء جميلة؛ فمثلا المنطقة التي كُنت أسكن بها كانت قريبة من حي اسمه "غلا" اسم جميل، أليس كذلك؟ حيٌّ راقٍ وتقع به عدة جهات رسمية وتسمِّه "غلا"، على طريق المطار أو قريب؛ لأنه يكتب بجانبه مرتفعات المطار، وكذلك لفت نظري ولاية اسمها العامرات، فتذكرت الحمداني أبا فراس عندما قال:
وليت الذي بيني وبينك عامر // وبيني وبين العالمين خراب
لكنَّني أتحدَّثُ عن عامرات وليس عامرًا واحدًا.. مسقط لفظٌ يصلح لأي منطقة في الدنيا، لأنك ببساطة تستخدم لفظ: مسقط عندما تسأل أي شخص عن مسقط رأسه، هنا يحتملُ الأمر أنْ أتحدث عن أي مدينة أو قرية بالعالم. لكن يبدُر سؤال مهم: كيف تمَّ تسميتها باسم مسقط؟ وهل هناك مناسبة معينة وراء إطلاق هذا الاسم عليها؟ وفي أي حقبة تاريخية تمت التسمية؟
من الأمور الطريفة أنَّه ونظرا لشهرة الحلوى العمانية، كنت أتوقَّع رواجها الشديد في العاصمة، توقعت أنَّ كل شارع به على الأقل محلان أو ثلاثة، والحقيقة أن الواقع مختلف، ومحلات الحلوى لها أماكنها بالأسواق، حتى إنني بحثت عن محل -لم أكن أبحث عن محل بالذات، لكن أي محل يبيع حلوى- ولم أجده إلا في منطقة الخوير، وكان موظف المحل لطيفا وكريما معي، وذكرني بضيافة الديوانيات ببلدي.
مما لفت نظري في مسقط منطقة على الطراز المعاصر؛ حيث منطقة الموج، تلك المنطقة الراقية التي ذكرتني بدبي العزيزة، كأنها قطعة من دبي إنما بنكهة عمانية، منطقة عصرية نظيفة جدا، وتضم سوقا حديثا، ومرسى بحريا وفنادق فاخرة، ومطاعم متنوعة، وأعتقد أنها تحتاج مزيدا من الترويج كواجهة سياحية للعاصمة الجميلة.
ذهبت إلى سوق مطرح، وهو سوق تراثي ذكَّرني بسوق المباركية بالكويت، وهو أشبه بالأسواق التراثية؛ حيث الملبُوسات الشعبية والتحف والهدايا، ولاحظت وجودَ عدد من السياح الأجانب مستمتعين بتجوالهم في سوق تفوح منه رائحة الماضي والتاريخ.
أثناء وجودي بمسقط، ذهبت لمقر وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وعلمتُ أنه توجد مكتبة أو معرض لبيع الكتب التاريخية أو ما شابه بأسعار رمزية، وكان الموظف ودودا في تعامله، وكذلك بنفس المبنى استمتعتُ بزيارة متحف للتضاريس والأحياء البحرية والبرية والصخور في عُمان، وكانت موظفات المتحف العمانيات يقدمن وجها مشرقا للمرأة العمانية المثقفة.
قرأتُ للكاتب العماني نصر البوسعيدي مقالا (1)، وكان لمسقط وأهلها وأهم منتجاتها نصيب من كتابات الألمان؛ فقد ذكرها عالم الخرائط الألماني كارستان نيبور (1733-1815م) في تدويناته، وقال: "العمانيون أفضل ملاحي الخليج، فهم يبعثون بنحو خمسين سفينة كل عام إلى البصرة حاملة شحنات من البُن إليها، وتنتج مسقط الجبن والشعير والعدس والعنب وتصدِّر كميات ضخمة من البلح كل عام إلى الخارج".
كانتْ زيارة لا تُنسى، كتبتُ عنها عدة مقالات، وبإذن الله ستتكرَّر الزيارة لعمان العزيزة تلك البلاد التي تشبه كتاب التاريخ، ومناطقها صفحاته، وطيبة أهلها هي الحلوى الحقيقية للسلطنة.
___________
1- الكاتب: نصر البوسعيدي، مقال: "أهم ما كتبه الأوروبيون عن مسقط وأهلها ومنتجاتها قبل أكثر من 400 سنة"، جريدة الشبيبة العُمانية، نُشر يوم الخميس 14 مارس 2019.