الموناليزا ودافنشي يتحدثان.. ونحن ننصت!

عيسى الغساني

الإنسان يُبدع عندما يُقدم فكرة أو مفهوماً أو عملاً مادياً، يكون خارجاً عن المألوف ويثير إعجاب وفضول وقبول الآخرين. وتتجلى قيمة الإبداع الإنساني عندما يواجه اختبار الزمن، أي بقاء القيمة الفكرية المضافة عبر الأجيال والأزمان. الموناليزا ومبدعها الفنان الإيطالي، ليونارد دافنشي، والتي يعتبرها النقاد واحدة من أفضل الأعمال على مر تاريخ الرسم. رسمت اللوحة في مرحلة أطلق عليها مرحلة النهضة العُليا للفن بإيطاليا من عام 1495م إلى1525م.

قدَّم الفنان والمهندس المعماري خلال عصر النهضة الموناليزا، واستخدم طلاء زيتياً ولوحاً خشبياً من الحور الأسود، واللوحة ملك للحكومة الفرنسية، ومُعلقة على جدار متحف اللوفر خلف لوح زجاجي مقاوم للرصاص وفي بيئة يتم التحكم بمناخها.

دافنشي قدَّم تقنية رسم مبتكرة وهي الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام، فعندما تنظر إلى الموناليزا فإنَّ عيناها سوف تلاحقك بزاوية 30 درجة. والإبداع يتجلى بأنها ذات وجهين، ستراها سعيدة عندما تكون سعيدًا، وحزينة عندما تكون حزيناً وهذا هو السر في ابتسامتها. وهناك ثلاث لوحات اثنتان في العشرينات وواحدة في منتصف الثلاثينات. رسمت اثنتان باليد اليمنى والأشهر رسمت باليد اليسرى. وأمر آخر هو أنَّ تقاسيم وجه الموناليزا هي تقاسيم وجه دافنشي. وخلفيات الرسم به ثلاث مناطق مختلفة. واستغرق رسم اللوحة عشر سنوات، وجلبت الموناليزا إلى فرنسا عام 1516م واشتريت من قبل ملك فرنسا فرنسيس الأول، وضعت الموناليزا أولاً في قصر شاتو فونتابلو، ثم نقلت إلى قصر فرساي، ثم بعد الثورة الفرنسية علقها نابليون الأول بغرفة نومه، وحالياً تعرض اللوحة بمتحف اللوفر بفرنسا.

وبقراءة أولية لمضامين اللوحة فإنَّ الرسم لغة ويقدم ما تعجز  اللغة عنه، فاللغة هي محاولة وصف ما يراه الإنسان أو يشعر به، ويستخدم المفردات والجمل والعبارات والفقرات لبناء فكرة أو مفهوم . لكن الصورة التي تستهدف تصل لكل شخص بطريقة مختلفة. وفن الرسم قد يكون قادرًا على إيصال المفاهيم والقيم الجمالية والعلمية عن طريق حاسة النظر وليس الهدف إثارة الإعجاب بقدر ماهو إثارة التساؤل.

والقيمة الفنية مرتبطة بالعاطفة والشعور والإيحاء وهي من يعطي الأشياء الحيوية وليس له قياس، فكل إنسان يراه بشكل مختلف. انطلاقا من المبدأ الكوني الأزلي وهو التناغم الكوني، وكما ذكر ميشيل فوكو هناك علاقة أكبر وشفافة بين الإنسان والأشياء.

والجمال حسي ومعنوي، والجمال هو تناسق الجزئيات حيث تعد المواءمة والتوافق الميزة الأبرز للجمال. فعلى سبيل المثال للخير قيمة جمالية ذات أثر طيب في النفس والعقل.

والفن وسيط الجمال الوجداني وهو ليس رفاهاً ولكنه رسالة ترتقي بذائقة الإنسان وتنقي حواسه من القبح المادي والحسي وتروض نفسه للميل إلى كل جميل وعذب ونقي.

وبغض النظر عن كل مايُقال عن أعمال الرسم ومنها لوحة الموناليزا، فإنَّ النقاش حول قيمة ومعاني ودلالات الموناليزا وما قدمه دافنشي، يظل في دائرة النقاش والجدال الفكري، وكتاب شفرة دافنشي وغيره من الأعمال التي تسلتهم من فكر دافنشي تظل إرثا إنسانياً، والسؤال إلى متى سيقاوم اختبار الزمن؟

تعليق عبر الفيس بوك