انشروا الحب بينكم

خالد بن علي الخوالدي

احتفلَ العالمُ يوم الأحد الماضي بيوم الحب أو عيد الحب كما يحلو للبعض تسميته، ومهما اختلف بعضنا أو اتفق مع هذه المناسبة، إلا أن ما يهمني في هذا المقال هو الحديث عن مفردة "الحب" ومعانيها وأثرها الراقي، والتي يعدّها البعض القيمة الأجمل في الحياة؛ فبالحب نعيش ونتنفس ونستشعر عِظَم النعم من الله العظيم؛ والحب أنشودة عذبة تدندن بها قلوب الصادقين.

بالحب تسمو الحياة إلى مراتب العلا والرفعة، وإذا ما خلت بيوتنا من "الحب" ضاع حالنا وتفككت أسرنا وأصبحنا مُشتتين متفرقين، وستتكالب علينا الهموم والغموم من كل صوب؛ فالحياة لا تستقيم إلا بالحب رَضِي من رَضِي، وأبَى من أبَى. بالحب انتشرت رسالة الإسلام الخالدة، وبالحب استظل الصحابة الكرام وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله تحت قيادة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أما حين ينتهي الحب فستتبلد المشاعر وتجف ينابيع الرحمة، وتنتشر القطيعة والضغينة ويسود سوء الظن، وتعبس الوجوه وتكفهر. وما إن ارتبط عندنا الحب بالعيب أو الحرام أحيانا -في بعض العقول العقيمة- حتى تبلدت مشاعرنا وأحاسيسنا وتهنا، ولم نعد ندري عن ماذا نبحث، بل وأصبح الحب كسلعة رخيصة.

للأسف.. أصبحت بعض البيوت شبيهة بالثكنات العسكرية؛ فلا تسمع فيها إلا الأوامر والنواهي، وخلت من حياة محمدية راقية تُشع فيها معانِي الحب والمودَّة والرحمة، وغدت كلمة مثل "أحبك" مُبتذلة ومهانة وتفتقدها الكثير من الأسر، وتناسوا أن الحبيب المصطفى يقولها حتى لأصحابه؛ حيث ثبت أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قال مرة لمعاذ: "إني أحبك"، فقال معاذ رضي الله عنه: "وأنا أحبك"، وكان عليه السلام يحرص كل الحرص على أن يتبادل الأحباب فيما بينهم هذه الكلمة الشفافة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَعْلِمْهُ، قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ)، وكان يصرّح بحبه لزوجاته، وليتنا اتَّخذناه قُدوة فاضلة كريمة، فعن عمرو بن العاص قال: بعَثَني رسولُ الله على جيش ذاتِ السلاسل، قال: فأتيتُه، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: (عائشة)، قال: قلت: فمِن الرِّجال؟ قال: (أبوها)، قال: قلت: ثُمَّ مَن؟ قال: (عمر)، قال: فعدَّ رِجالًا). نعم لا أغالي إن قلت قد أصبح الحب كسلعة أو بلا أثر ربما وبلا معنى عند البعض، حيث راعني كلام أحدهم عندما طلبت زوجته منه أن يقول لها (أحبك)، فرد عليها: بأنه أكبر من أن يقولها بعد أن مضى قطار الحياة الزوجية بهما سنوات عديدة، وإنها تقال وتكثر فقط في نظرهم عند الخطبة "عندما تكون الألسنة رطبة"، أو تقال في الأفلام والمسلسلات.

وقد قرأت لإحداهن وهي تقول بكل أسف: "أنا لم أسمع هذه الكلمة من زوجي على مدار سبع وعشرين سنة إلا مرات تعدّ على الأصابع! مع العلم أن زوجي رجل من أطيب ما يكون"، وزدتُ أسفًا حينما عَلّقَتْ أخرى عليها فقالت: "أختي: قد تحمدين الله أن زوجك قال لك "أحبك" ولو مرات تُعدُّ على الأصابع، عندما تعلمين أنني زوجة منذ ثماني عشرة سنة ولم أسمع كلمة "أحبك" من زوجي إلا مرة واحدة.. وعندما طلبتها منه بإلحاح!!". وهناك من بيننا من إذا عطفت ورحمت ولنت في الكلام لزوجتك أو أختك أو ابنتك ينعتوك بأقبح الألفاظ والألقاب، ويتهمونك في شخصيتك، وبأنك نصير للمرأة، وكأن المرأة وحش وكائن لا يمُت إلى كوننا وحياتنا بصلة، بل وهناك من ينادي بأن على الرجال أن يكونوا أشداء مع النساء حتى لا يكون خاتما في يدها -حسبما يفكرون- ولعلهم يتصورن أننا نعيش في غابه لابد فيها من منتصر والبقاء للأقوى، وتبعا لهذا تطبعت بعض النساء وأصبحن يشاركن الرجال تبلد المشاعر وقسوة القلب؛ فلا يسمع الزوج منهن إلا "قالت فلانة وقالت علانة"، و"هات وهات".

أحبَّتِي..، كل كلمات الأنس والإعجاب والتصرفات المعبرة عن حبنا لها أثر بالغ، لكنها تظل عبارات غير صريحة، وإن بالغنا في اختيار الكلمات الرائعة أو قدمنا من الهدايا الغالية، إلا أن حبيبك من زوجة أو زوج أو ولد أو صديق أو أخ أو أخت أو بنت أو ابن لن تملأ جوانحه أو تسكن نفسه إلا حينما تقول له "أحبك"، فامزج هذا بذاك، ستجد جميل الأثر، وعظيم العطاء. هي "كلمة" واحدة لكنها تشكل فارقا كبيرًا، فاحرصوا على انتقاء كلماتكم؛ فالإنسان الأنيق في تعامله وحديثه يقتحم أعماق من يقابله ويحظى باحترام الجميع، فلا تبخلوا بمشاعركم وأحاسيسكم، واعلموا أنَّ سُقوط بعض الأزواج أو الزوجات في التعاسة والكآبة والهم والنكد والأخطاء، قد يكون نتيجة تبلُّد المشاعر، ودعوة مني أنْ يُرسل كلُّ من يقرأ المقال لمن يحب "أحبك".. ودمتم ودامت عُمان بخير.