أنيسة الهوتية
إنِّه عيد الحُب، كيف ستحتفل بهذا اليوم؟ سؤال سألته زميلتي الإيطالية في "جروب" الإدارة الرياضية. فجاء رَدٌ مُمازح لأحد الزملاء اللندنيين: إنه يومٌ يجب أن تُسعِد فيهِ زوجتك بِوردة، وعشيقتك بِخاتمٍ من ذهب! واستفز ذلك الرد أغلب النساء المُتزوجات، فقالت زميلةٌ فرنسية: أنسيت أنَّ زوجتك وأنا نتعارف؟ سأعمل "سكرين شوت" لمحادثتك وأرسله إليها، فردَّ سريعاً عليها زميل من مدينة "كِنت" إنجلترا: لا تفعلي ذلك أرجوكِ، لأنَّه سيشتري خاتم الذهب ويُرسله لكِ.. وأكمل رسالته بوجوه "إيموجي" الضاحكة بشدة، فعلق أغلب الزملاء الرِجال بنفس الإيموجي الضاحك. وبعد ثلث ساعة أرسلت زميلة يابانية: زوجي يرفض الاحتفال بالفالانتاين، فَهو من "الشنتو" المتشددين، وكل عامِ أقدم له هدية بيوم الفالانتاين ولكنه يرفضها ويقول لي: لَن أقبلها مِنكِ، وَلَن أُقدم لكِ هدية في هذا اليوم بالذات! لأني لا أريد الاحتفال بيومٍ أنا غير مُقتنع بالاحتفال به أصلاً! فردت زميلةٌ روسية: على ما يبدو أن زوجك شخصٌ نكَدي. فردت اليابانية مع وجه إيموجي خجول: على العكس هو رومانسي جداً ولكنه واقعي، وأيضاً لأنه يعوضني لاحقاً بهدية أفضل من هديتي، ويدعوني على العشاء أو إقامة في إحدى المنُتجعات الجميلة. فَردَ الزَميل من "كِنت": أنتُنَ يا معشر النساء تعرفن من أين تجلبن السعادة لأنفسكن من الأزواج حين تُرِدَن ذلك، وتَعرفِن كيف تُتعِسونهم كذلك. فرَدتَ الزميلةُ الإيطالية: نحنُ نفهمكم ولكنكم لا تفهموننا، وتلوموننا بأننا معقدات! وفجأة، ظَهرَ وجه إيموجي مستغرب واحد تلو الآخر من زميلِ أسترالي. فرددتُ عليهِ: هل صحوت من النوم يا جعفر؟ طبعاً هو اسمه "جيفري" ولكنني لطالما أناديهِ جعفر هو وزميلٌ آخر من البرازيل بذات الاسم. فرَدَ عَليَّ زميلٌ من أمريكا: أنيسة هل أنتِ هُنا؟ لا أراكِ تُشاركين معنا؟ فأجبته: أنا أستمتع بالمُتابعة، وأكتفي حين أعلم بأنكم جميعاً بخير. أرسلتها مع "إيموجي" يبتسم، ووردة حمراء. فأرسلت الزميلة الفرنسية: وردة حمراء هااااه، أي أنكِ تحتفلين بيوم الحُب؟ فرردتُ عليها: لا خيارات في الورود، وأجملهن تلك الحمراء، وإلا فالمُفضلة لدي البيضاء. فأرسل الزميل من لندن: هل أهداكِ زوجكِ وردة أم خاتماً؟ فرردت عليه: لا هذا ولا ذاك. ثم أرسلت الزميلة اليابانية: وماذا أهديتهِ أنتِ؟ فرددتُ عليها: لاشيء! غير حبي، واهتمامي، ودلالي، وحناني، وإخلاصي، ووفائي ووجبة عشاء منزلية بدون شموع ولا موسيقى. فردَ الأسترالي: آه الحياة الزوجية مُمِلة. فرددتُ عليه: إذاً، أنت لا تحتفل بالفالانتاين لأنك وحيد؟ قال: لا، بل أحتفل كل عام مع شخصٍ مُختلف، لا أحب الارتباط بشخصٍ واحد! فأرسلتُ: أنت حالةٌ ميؤوسٌ منها، وستموت وحيداً.
وفجأة أرسل زميل من مصر يعيش في دولة أوروبية: أنا أحتفل بالفالانتين كل عام. استغربت من رده لأنني أعرفه رجلٌ مُتدين، حافظٌ زاهدٌ عالِم! فردت عليه الزميلة الروسية: صدقاً، لم أتوقعه منك يا مُحمد؟ فردَّ مُحمد: نعم، أحتفل بالفالانتاين وأجلب الشموع الحمراء، وكعكة وحلويات، وهدايا لزوجتي وأبنائي كذلك. فأرسل الزميل من لندن: مع أبنائك؟ وأكمل محمد: نعم، فأنا وزوجتي اتفقنا أن نحتفل بهذا اليوم كعائلة، فحب العائلة أعظم حُب، وكما تقبلنا أكل الطعام الغربي بإضافة بهاراتنا العربية مادمنا نعيش هنا، فسنتقبل عاداتهم ولكن بطريقتنا. وحتى لا نتفاجأ من أبنائنا بأعمال منافية أخلاقياً ودينياً من باب الفضول والانجراف للممنوع المرغوب، فإننا نجعل الممنوع مُباحاً باحتفالية عائلية في بيئة أخلاقية.
وقد أذهلني زميلي محمد في التعامل مع الوضع، وتبديله للمواقف من ضِد إلى مَعَ. وذكائه الشديد في تربية الأبناء. ولربما ستكون نقطة تبديل لهذه العادة في مجتمعاتنا.