الدانتيل الفرنسي

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

حُشر مارد في عنق زجاجة، وتعلق القمر على جناح عنقاء، وتمايلت ماوية[1] منتشيهً ترقص على أرض بور، لقد هَوى المعبُد وفَّر عُباده.

تَساقطُ الماديات والأفكار، ويخال لك أن جوهرها يندثر بسقوطها، إلى أن ينبت صخرُها حجراً، يشج رأسك فتستيقظ من غفلتك الحمقاء. لتنبهر بمنحوتة من المرمر، كنت تستظل بها من الهجير. حسبت أن انهيار المعبد هي النتيجة الحتمية لاجتثاث أصنام هُبل، ودُهشتُ عند رؤية المارد يتحول إلى ضفدعٍ مُغفل، يمتلك شهادةٍ عالية، والعنقاء ناعِقة تمسك مذياعاً، والملكة ماوية أصبحت فاشينستا وبلوجر ومن مشاهير التيك توك.

رمم المعبد المنكوب من جديد، لا تبحث عنه بعينك أنت، عليك أن تقفز من ثقب إبرة لتراها بعيني أنا.

تصعد السلالم صباحاً وحذاؤها الذهبي الأنيق يضرب الرخام المصقول بإيقاع ناعم. إنها مُترفة ومغناج، يتمايل مع خطواتها الدانتيلُ الفرنسي الأسود وقطع براقة من الفصوص اللامعة، تختزل بذلك صورةً للبدر المتكئ بتراخٍ على شاطئ يتوق لنديم.

وأُصغي إلى ثرثرات الضفدعة المترفة، ويتراءى لي أن أنفها يكبر، ويتضخم مع تفاصيل حياتها الكاذبة. فتركب أظافرها الاصطناعية المطلية بلونٍ زهري يزينه فص أبيض وتكبس بإبهامها زراً، وتفتح البث المباشر على تطبيق الانستجرام وتنساب منها أعذب الكلمات عن أهمية العلم وتحصيل الشهادة العُليا، وهو قطعاً يختلف عن الحصول على شهادةٍ دكتوراة فخرية. تزحف لسعات الضجر نحوي بتكاسل بينما أقلب مكعب السكر الذي يصارع سخونة القهوة ويقاوم الذوبان ببسالة.

الضفدعة تتشدق بشهادة الماجستير والبريستيج وقد كان حصادها من المجهود والتعب حضور حفل التخرج، وصور لبس التخرج على توتير، والابتسام والهدايا على الإنستجرام، وبث حفل التخرج والمنصة والمدرجات على يوتيوب. مُضنية هي حياة الضفدعة؛ فالبسمة مُكلفة والإضاءة شاقة وتحقيق الإنجاز بالشهادة مُرهق. والحق يُقال كل الفضل للأخت العربية التي تدير الحدث ببراعة من الكواليس، فهي من كتب البُحوث والتقارير وأجرت التدقيق وأخذت المتفق عليه، نظير جهودها طيلة سنتي الماجستير. ارتفع النقيق وأنشدت الضفدعة نشيدَ الخداع، تُرائِي به البشر وتبيع سلعة الأوهام بأغلى الأثمان، ويفسد ملح الحقيقة إلى حين أوان.

انزوى السكر بين القهوة ورغوتها واختفت ذراته، وبزغت ماوية من كوب القهوة تحدق بشموخ وعنفوان، وتنفض غبار خرافةٍ تراكمت منذ ألف عام، وأطلقت سِهام البيان على مرآة القمر، ونوره المتوهج على أعمدة المعبد المصقولة بالبهتان، وأكاذيب وزيف غِلمان اليوم والحاضر، محطمةً بذلك مرآة للبدر اعتلت، لتبعثر أجزاءها القبيحة تحت قدماي وفي كل جزءٍ من قطع المرآة المحطمة انعكست لمحاتٌ مشوهة من غُرّة الضفدعة الاغَرَّة.

طقطقت الضفادع من خُرم الإبرة واستحوذت على الأرض البور، تملكتها بكل فجور، وصدح نقيقها لإغواء الحمقى والبُلهاء.

ضُفدعتي الرعناء، ما أنتِ وما أنا وما الشهادة إلا ورقة مزخرفة، وما فوضى الإشادة (لايك، وشير، وسبسكرايب) إلا زرٌّ بلاستيكي لا يعلم من ضغطه. جميعهم كومةٌ من الأصنام والرموز، وأباطيل لمرآة المجد التي تُزخرف المعبد.. ويسقي الوهم حدائقه بخرافة البريستيج، وعلى ضفاف نهره استلقت جثث الطامحين المُغترين.

ضُفدعتي الاغَرَّة حين تنتعلين حذاءً وتتبخترين بغنج بالدانتيل الفرنسي، وحين ترتدين البريستيج ديباجا، وتتزينين بأظافر من المرجان، وتضعين إكليلاً على رأسك وتتشدقين بالحديث عن بريستيج الحياة، وحين تمسكين مكبراً للصوت لتصدحي بالتُّرَاهات.. هل لك أن لا تنسي أنك ضفدعة؟!!!

-----------------------------

- الملكة ماوية: هي ملكة محاربة عربية، حكمت تحالفًا مكونًا من العرب في جنوب بلاد الشام وشرق الأردن في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي قادت تحالف عسكريا ضد الدولة الرومانية [ويكبيديا].

 

[1] الملكة ماوية: -هي ملكة محاربة عربية، حكمت تحالفًا مكونًا من العرب شبه في جنوب بلاد الشام في شرق الأردن في النصف الثاني من القرن الرابع. قادت قواتها في ثورة ضد الحكم الروماني السابق، وتقدمت على رأس جيشها إلى فينيقيا وفلسطين (ويكيبيديا)