فاطمة الحارثية
سألته يوما: لماذا يلجأ بعض الناس إلى المشعوذين والسحرة، رغم أنهم مُتعلمون وخريجو جامعات مرموقة وأخرى دولية؟ بُهِتَ من سؤالي المفاجئ، ونظر إليَّ مطولا كمن لا يرغب بالإجابة عن السؤال، ثم أتى رده بصوت هادئ جدا، وقال لي: سنتحدث بعد صلاة العشاء.
مرَّ الوقت وخِلت أنه نسي، ولن أجد إجابة منه، فهو كثير التأمل، قليل الحديث، مبتسم بشوش الوجه، لكن بعد صلاة العشاء ببعض الوقت، أتى صوته من بعيد وسألني: ما هي الإجابة التي تريدين أن أؤكدها لكِ وتودين سماعها؟ جواب تقليدي أم حسب مُعتقدي؟ قلت له أريد أن أسمع وأقرأ فكرك، فرد عليَّ: إذن سوف أعدِّد لكِ الأسباب المتعارف عليها: رد فلاسفة المادة ومثقفي العلوم النظرية هو أنهم على جهل، رغم العلوم التي تلقوها، ورد أهل الدين يقول إنَّ فيهم شركا أو ضعفا في اليقين والمعتقد، على الرغم من تبيُّنهم للرشد من الغي بحكم قدرتهم على التميز؛ وأنا أقول إنَّ الحُكم حكمة، لا أرى فيهم جهلا ولا ضعفا، بل عزما واضحا لتغير الكون والموازين من أجل إشباع رغباتهم ومآربهم وشهوة الكمال، إنهم أشباه فرعون، أي أنَّهم مُصابون بداء أقرب ما يمكن وصفه بداء العظمة منه للجهل أو الضعف، ففرعون أراد أن يتحكم بمصائر الناس والحياة من حوله، بكامل وعيه وعلمه وإدراكه، فمارس السحر لإرهاب الناس، والشعوذة للخداع، والكهنوتية لفرض طغيانه بقوانينه، فلم يختلف طارق أبواب السحرة عنه، ولم تخلُ الأرض يوما من أشباه فرعون، ومن وجهة نظري، حتى من يرددون أن الدعاء يغير القدر، تجرأوا على الاعتراض ورفضوا حكم الله وقضاءه وطالبوا بالتغيير، أي لم يختلف الهدف وإن اختلف الأسلوب.
في العصر الحديث، توارى السحرة عن الأنظار، ليجد أشباه فرعون سُبلا أخرى للهيمنة وفرض سيطرتهم؛ فمنهم من استعبدَ الناس بطرق حديثه وأساليب مختلفة، ومنهم من خلق أنظمة وسياسات وقوانين هدفها فرض سيطرته، أكثر منه نفع للناس، ومنهم من تلاعب في الأسواق وموارد الحياة الأساسية ليخلق الحاجة، وليُخضع الناس، فتُهيمن شروطه وطريقته، وهذا نوع من أنواع السيطرة، وإشباع داء العظمة وهو ذاته مرض فرعون.
تابعنا الكثير من أشباه فرعون على شاشات التلفاز منذ صِغرنا؛ فأفلام الأطفال ومسلسلاتها كانت دائما ترسم لنا هذه الآفة "الحُكم والسيطرة على العالم"، وعند الكبر هضمنا الكثير من الأفلام والكتب عن ذات المحتوى، مثل السيطرة والهيمنة النفسية، والصحية، والاجتماعية، والتقنية، حتى العاطفية؛ فرأينا كيف لجأوا للقوة والعنف أو الإرهاب أو القتل، حتى إنَّ بعض هذه الأفلام والكتب حكت لنا محاولات البشر السيطرة على المجرَّات والكواكب، كلها مزيج لأنفس أهلكتها العظمة وهذيان السيطرة وحكم الناس والحياة، وكأنها تُؤلِّه ذاتها.
إننا إذا نظرنا إلى الوجود الزائل من حولنا، لنَعْجَب من تخرُّصات فرعون وأشباهه، فهي لم تُدِم لهم قوى وجمال أجسادهم، ولم يستطيعوا أن يُسيطروا على أُثر تعاقب سنوات العمر في أنفسهم، فأيُّ أمر قد يخالوا أنهم صانعوه في حيوات الناس أو الطبيعة من حولهم.
-----------------------
سمو:
لم يستطع أحدٌ أن يمدَّ في عمره يوما، أو يشفي نفسه من ألم أو يُخفف عن نفسه نقصًا.. فكفُّوا أيديكم عن حال الناس، فالناقص لا يُكمل أحدًا.