حمد بن سالم العلوي
اشتعلت بلاد الوطن العربي من أقصاه إلى قصاه بالحروب والخراب، ولم يسلم من شرِّ أنفسنا كـ"عرب" إلا اللَّمم، ولم يكن عدو الخارج هو السبب، وإنما مصائبنا من صُنع أيدي العرب أنفسهم، وضد بلاد العرب حصراً، وهذا من إيثار الذات على الغير بالشر فقط، إذن كل الذي ابتُليت به بلادنا العربية، لم تقم به إسرائيل العدو الرئيسي للأمة منذ وعد بلفور في 2 نوفمبر عام 1917 إلى اليوم، وإلى ما شاء العرب فيه من الزمن المغدور، بل إنَّ بعض العرب قفزوا قفزة متقدمة، فاستبدل بالعداوة الظاهرية محبةً وعشقا وغراما، بل واندفاع في أحضان العدو الصهيوني، الذي تحول وضعه في نظرهم إلى صديق حميم، واستدبروا العدو الحقيقي وتشبَّعوا بعداوة إيران الجارة والمسلمة، رغم أن إيران ما فتئت تدعو العرب إلى كلمة "سواء" بينها وبينهم، ولكن الإذن بيد إسرائيل وكوشنر الصهيوني، وليس بأيدينا للأسف الشديد.
تُرى أي تردٍّ بلغ بالعرب إلى حد الآن، وأي حضيض وقع فيه العرب وقد أسكنهم الدرك الأسفل من الرذالة والمذلة والخيانة والخنوع، بدءاً من العام 2011 وحتى الآن، ولكن كما يقال الخير في بطن الشّر، وليس بعد القاع من قاع أحط من وضعنا العربي المريب، فإذا أنت نظرت حولك ستجد دمارا وقتلا وتشريدا في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وإذا تجاوزنا الدمار إلى مرحلة أقل فانظر إلى لبنان صاحب الوجع الدائم، وتونس والبحرين ومصر؛ فكلها على كف عفريت كما يُقال، وهناك ضبابية في السودان والجزائر والمغرب وحتى السعودية والإمارات، وهناك الكويت والأردن على أرجوحة المساومات، وقد تكون الصومال وقطر قد خرجتا من النفق المظلم شيئًا ما، ولا نستطيع أن نجزم بحسن الوضع في موريتانيا وجيبوتي، ولكن ظلت السلطنة بحكمة سلاطينها خارج المضاربات، رغم تصرفات البعض، ولولا اختلاف الفكر العُماني عن كل العرب، وعروبتها لا تشوبها شائبة، وإلا أنَّ ظروف الفتنة تتربص بها الدوائر، وتكفي سبباً لإشعال حروب وحروب، ولكن عُمان تأبى أن تنضم إلى قطيع "أمبوزي" فنواري كنهها بالسواحلية.
إذن، هذا الانحطاط والدمار الذي حل بالأمة العربية، هو من صُنع العرب أنفسهم وبأموالهم، وجغرافية الوطن العربي كانت ساحة للدمار والخراب، ولم يسلم الموروث والكنوز التأريخية من الآثار في سوريا والعراق واليمن، فدكت قلاع درعا وغيرها، وآثار العراق البابلية والسومارية وكسرت ألواح حمورابي التشريعية، وحصون سبأ وحمير في اليمن، والفاعل يتكلم العربية، والصهاينة المحتلون لأرض عربية عريقة ينعمون بالحرية والسلام.
وإذا أنت أصغيت للخطاب الإعلامي العربي المعوج والمنحرف، سيقال لك إن كل هذا الدمار بسبب إيران، وإيران وحدها دون سواها من فعل ذلك، والحقيقة أن إيران بريئة براءة الذئب من الدم على قميص ابن يعقوب، وإن هي سيطرت على جزر ثلاث في مدخل الخليج، فهو نتيجة البيع والشراء بين العرب وإيران، والمغفور له الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل أورد ذلك في كتبه وتصريحاته، وأنا أصدق هذا الكلام بدليل عدم طلب التحكيم الدولي في شأن الجزر، ولكن نقول متى صرتم تغارون على الأرض والعرض أيها العرب؟! وهذه فلسطين المحتلة تنكرون اليوم عروبتها، وقد تنازلتم عن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين علناً.
وهنا السؤال يقول؛ لمن تنازلتم عنها؟! أليس لليهود ليعيثوا فيها فساداً!! وقد قدمتم العذر لهم، وليس هذا فحسب، وإنما زعم البعض منكم اليوم، بضرورة تصحيح الرسالة المحمدية كما قال ذلك الكاتب السعودي "تركي الحمد" أو كما شرَّع من يصف نفسه بأنه "داعية ديني" بتصحيح الرسالة المحمدية، وإقامة الصلاة الإبراهيمية التي جبّها الإسلام، وهي فرية يهودية للتشكيك في الدين الإسلامي، وقد أتى هذا الدين الحنيف ليجمع كل الرسالات السماوية السابقة، وأنهت الآية الكريمة كل التأويلات بالجزم قائلة: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، (آل عمران:85). فنقول إلى دعاة الفتنة والفرقة والتشتيت، لقد خسرتم وخسئتم وأن الله عز وجل تعهد بحفظ الذكر العظيم، دستور الدين والأمة والحياة إلى قيام الساعة.
إن هذا العام 2021 عام انكفاء الشَّر والأشرار من أرض العرب بإذنه تعالى، فليس بعد بلوغ قمة الظلم والانحطاط إلا الصحوة والصعود من جديد، وردم الهوة العميقة من الطغيان والتردي وطمرها كما طُمر قوم يأجوج ومأجوج في بطن جبل، فسوريا التي صمدت أمام الجور والطغيان العالمي، هي الآن على مشارف النصر المبين، واليمن الذي حاربه نصف الكون صمد كذلك، وليس ذلك وحسب، وإنما يحقق انتصارات مهمة على أعدائه، وسينال استقلاله وحريته في وطنه، وسيهزم الجمع ويولون الدبر، وهذه أمريكا تقر بالهزيمة، وتعلن الانكفاء هي وزمرتها وتدعو للسلام، وتعد بوقف الحرب العبثية التي دامت ست سنوات قاسية، لا يطيقها إلا الشعب اليمني أصل العروبة وأسها، والمنكل بالغزاة عبر التاريخ، وهم أشقاء ناصر بن مرشد طارد البرتغاليين من القارات الثلاث.
إذن؛ فلنعد ولنقم بعمل إحصائي استقصائي لنرى أين ربح العرب، وأين خسروا خلال العشر سنوات التي مضت؟ فسنجد ألف صفر وصفر على الشمال في قيمة الأرباح، وإنما كلها خسائر وخسران مبين، ولا نزعم أننا قبل هذا التاريخ كنا نربح دوما، وإنما كنا نربح سنة ونخسر ثلاثا أو أربع، أما في العشر الأواخر كنا نخسر باستمرار، أما اليوم وقد أسودت وجوه وأبيضت وجوه، والمبيَّضة وجوههم هم الصفاة التقاة الأحرار، إذن أتى دور الأحرار لقيادة الأمة العربية من جديد، ولا نامت أعين الخونة والمتخاذلين وعبيد الغرب المخدوعين، وما النصر إلا من عند لله، ونستطيع أن نقول اليوم هُزمت الروم في الشام واليمن، بلدتان ذكرتا في القرآن الحكيم إشارة إلى قوله تعالى: "...إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ" (قريش:2)، والمقصود بهما رحلتا الشام واليمن، وقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد:7)، أما من ينصر أمريكا وإسرائيل، فلا ناصر لهم.