إسرائيل في فخ المحكمة الجنائية الدولية؟

عبد الله العليان

لا شك أنَّ القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية منذ عدة أيام، والذي ينص على أن الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقع ضمن اختصاصها القضائي في متابعة التحقيقات في "جرائم حرب" ضد الفلسطينيين، وهو ما يفتح  الباب للمحكمة الجنائية بالتحقيق في هذه الجرائم التي تقع في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي قدمها العديد من الخبراء القانونيين الفلسطينيين، بشأن هذه الجرائم التي حدثت بحسب بعض التقارير التي قدمت.

وقالت المحكمة الدولية في بيان لها إنها: "قررت- بالأغلبية- في اختصاص .. القضائي الإقليمي في ما يتعلق بالوضع في فلسطين، الدولة المنضوية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967".

لا ريب أنَّ هذا القرار يُعتبر خطوة مهمة في تحقيق العدل والنظر في جرائم الحرب التي حدثت في فلسطين، وفي غيرها من كل دول العالم، دون تمييز بين الشعوب، وبعيداً عن المُحاباة والمعايير المزدوجة التي تبرز في قضايا كثيرة وتخفي قضايا أخرى ـ ليست هذا مجال حديثنا، وقد أبدت السلطة الفلسطينية ارتياحها لهذا الموقف الجديد من المحكمة الجنائية الدولية وقالت إنه :" تم الشروع في التنسيق مع المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيقاتها في فلسطين، بعد قرار المحكمة بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية، في حين دعت حركة حماس إلى "جلب مجرمي الحرب" الإسرائيليين إلى المحاكم الدولية". وصرح وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي "إن الجهات المختصة بدأت على الفور التنسيق مع الجنائية الدولية لتسريع فتح تحقيق رسمي في فلسطين، معتبراً أن القرار يتيح محاسبة مجرمي الحرب في إسرائيل أمام المحكمة الجنائية".

الغريب أن الموقف الأمريكي تجاه اختصاص المحكمة الجنائية، جاء وفق المعايير السابقة، وهو التأييد لإسرائيل أو الاعتراض تجاه أي قرارات دولية لإدانة ما تفعله إسرائيل من قتل وترويع وتهجير في الأراضي العربية المحتلة، سواء باستخدام حق النقض (الفيتو)، أو موقف قانوني يتخذ ضد إسرائيل في أفعال وممارسات تدينها القوانين الدولية التي هي من اشترك في وضعها عند إنشاء المنظمة الدولية في الأربعينيات من القرن الماضي.

مما قاله نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية: "لدينا مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية أن تمارس الاختصاص القضائي على الأفراد الإسرائيليين. لقد اتخذنا دائماً الموقف بأن يقتصر اختصاص المحكمة على الدول التي تُوافق عليها أو قضايا يُحيلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إليها".

هذا التهرب والمراوغة من قضايا قانونية دولية، يُقلل من الحديث الذي لا تكف الإدارات الأمريكية من أنها مع حقوق الإنسان، وضد الانتهاكات التي تحدث في العالم، وهذا للأسف يبرز التحيز الذي ترفضه القيم الأخلاقية من خلال  الدستور الأمريكي الذي يشدد على الحقوق الإنسانية والعدل والحرية، ولا شك أن الموقف الأمريكي في معايير مخالفة للقانون الدولي من الثوابت في الاعتراض على إدانة إسرائيل من القرارات الدولية، وهذا الأمر بما فيه من مخالفة القوانين الدولية ضد حقوق الإنسان، يسيئ لما تقوله في بعض السياسات والممارسات، ومخالفته في جوانب أخرى.

كما إن المنظمات الحقوقية في الغرب، كان لها موقف مؤيد لهذا القرار من المحكمة الدولية، ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنَّه "محوري"، وقالت: "حان الوقت ليُواجه مرتكبو الانتهاكات الجسيمة، من الإسرائيليين والفلسطينيين، العدالة". وقالت بلقيس جراح مديرة قسم العدالة الدولية في هذه المنظمة، في بيان: "إن قرار المحكمة الجنائية الدولية يمنح ضحايا الجرائم الكبرى، أخيراً بعض الأمل الحقيقي في تحقيق العدالة".

والحق أنَّ القرارات الدولية، كانت تصدر مؤيدة للحق الفلسطيني العادل، سواء بعد حرب 1948، أو بعد حرب 1967، أو غيرها من الحروب التي كانت تشن ضد الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال، خاصة في لبنان، وفي غزة وفي الضفة الغربية.. لكن هذه القرارات، لا تلقى التنفيذ بسبب الفيتو الأمريكي المعتاد، في الوقت الذي تلعب هي دور الوسيط أيضاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين!! والوقوف إلى جانب إسرائيل في عدوانها في أحداث كثيرة لوقف قرار إدانة إسرائيل، وفي سياساتها الاستيطانية، وفي كل ما تفعله في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وهذا ما شكّل سابقة خطيرة في النظام الدولي، الذي يتجاهل حقوق عادلة لشعب تسرق أرضه، ويتم تجاهل هذا الحق ولا تستطيع الأمم المُتحدة تطبيقها، وهذا ما جعل إسرائيل تتمادى وتستمر في هضم حقوق الفلسطينيين العادلة، ولا تستجيب للقوانين الدولية، التي تحرص الدول العظمى أن تفرضه على دول أخرى في ظروف مشابهة وتتجاهله في أخرى.

إن قرار المحكمة الجنائية جاء واضحاً وجلياً، ومهما حاولت إسرائيل التهرب من هذا القرار، فإنه سيكون له الكثير من الآثار الجيدة للشعب الفلسطيني- إن تم تمريره- للتحقيق في جرائم الحرب في الأراضي العربية المحتلة.