لمّة سلفي وخبز الكعك

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

"أحالوت أنتِ شاطحة وين؟" أول ما قرأت لمحمود درويش "أحن لخبز أمي وقهوة أمي"، تذكرت كعك أمُي وضحكات أمي ودفء نار الموقد المُشتعلة ونبرات صوت أمي الأمارة تارةً أو الناهية تارةً أُخرى، وكأن للذكرى صورة وقدمين فتخرج من بروازها الزمني الساكن وتُبعث حية في مشهد مُصور لا يعرف السكون وتصبح قصيدة محمود درويش "... أحن إلى كعك أمي... وحليب ناقة جدتي إيزايبلا".

وتنتفض معركة بين الخبز والكعك، لم يوقفها إلا ارتفاع سمفونية راب معتقة بنكهة نانا تنبعث من هاتفي المحمول، وتهتز معه دمية الماتريوشكا المستقرة فوق منضدةٍ صُنعت من جذع نخلة، وامتدت يدي سريعاً تنقض على المحمول الراقص واختصرت اللغة العربية السامية في كلمتين أزليتين،

"... اينه؟،، اينه جرئ"، وتدفق سيل عَرَمرَم من الأحرف يوازي في حدته أمواج تسونامي ويخترقه صوت سلفانا عنتر.......

" أحالوت أحالوت فيسع فيسع كشتة،،، وااااهي دعش بس".

طبعاً بعد ما تسمع كلمة "وااااهي" متبوعة بالكثير النوتات الحادة، يتخللها موجات كهرومغناطيسية، ما تلبث أن تتحول إلى ضوئية، يتوجب عليك أن توازي بسرعتك وخفتك البرق وبخطوات مكوكية انطلق وأجهز الدبش، والقش والسعف، والبرقع، وغدوووووون، هيا ارتفع يا نغم واصدح يا لحن، مُعتدل.... سّر.

وتبدأ الكشتة بالنميمة والتي لا تأخذ حيزاً طويلاً من الوقت، لأنَّ هنالك قوى خفية مُهمتها أن تشتت التركيز، وتحفز الاستعداد للانقضاض، والتجهز للقفز نحو مائدة البوفيه بحركة لا يتقنها سوى بهلواني متمرس.

وترتفع عِصِيٌّ ملونة، ومزركشة كسيارة سائق باكستاني مُكافحٍ وصبور على خط ثمريت-مسقط وكأنها تستعد لسباق رالي قد طال انتظاره. تجمدت أصبعي البائسة التي تجرأت أن تلامس حواف طبقٍ من الأرز وضُع بعناية فائقة على المائدة وحوله ألف وردة. أطلقت سلفانا عنتر نظراتها الرصاصية الحادة اتجاهي، وارتفعت سبابتها تنبه الجميع وتندّد لكل من سولت له نفسه أن يمد أصبعاً نحو أيّ من الأطباق التي انتشرت بشهية على المائدة.

وبلهجة ناعمة ونبرة حادة قالت: "لا حد يحلم يأكل، قبل ما نخلص السلفي، والسناب، والواتس اب، وتيك توك، والانستا".

وانطلقت الطقطقات والفلاشات بمشهد يُعيد للذاكرة ملاحقة الباباراتزي لليدي ديانا، واتقلص وانكمش نفسياً وذاتياً وأغدو كقطة الحي أرنو بشغف العاشق المتيم، ولهفه المحروم لنافذة الجيران، وترفع القطة أنفها عالياً لعلها تسحب نَفحاً عطرياً زكياً لذيذاً يسيل اللعاب. وتعرج الموشحات الأندلسية وطيور الفلامنجو المهاجرة لتدبك دبكة شامية وردح عراقي أليم ليهتف عقلي... الجوع كافر يا عرب لمّة وسلفي.

وترجح كفة النفاق في أي معادلة إنسانية حضارية اجتماعية، هل أُسميه تماشياً مع الرَكْب أم تسليكا لمحيطك حتى لا تكون خارج إطار صورة اللمّة العائلية. وهل نافق أحدكم في كشتة أو لمةّ أو سمها ما شئت، قد تختلف الأسماء والصورة واحدة، إنها مليئة بخدوش قد تحتاج إلى ترميم. ولكن هل فكرت أن تأخذ سلفي خارج البرواز؟

إن صناعة اللحظات الجميلة يجب أن تكون مثل كعك أُمي... ساخنة، وكثوب أُمي المخصص لجلبة أعداد الكعك، وكرائحة الفرن، ورائحة الكعك اللذيذة وأصواتنا المتباينة بين مشتكٍ وساخر وشامت، فهنالك تفاصيل لا يختزلها سلفي أو حالة سناب أو واتس اب، فالحب والدفء الرقمي صورة لا يحفظها برواز.

وبين ذاكرة أصنعها وسلفي خزن في ذاكرة أيهم أجمل؟!

 

عزيزي القارئ **

فيسع: يعني بسرعة البرق

كشتة: رحلة مكوكية عادة ما تكون بين الأجرام السماوية

وااااهي: استنكار شديد اللهجة

دعش بس: بعدك/ لسه مع رفع حاجب أيمن

اينه جرئ: ماذا حدث

وغدوووووون: تعني هيا بنا ومع زيادة الواو دلالة على السرعة

وكل ذلك حسب ما ورد في قاموس "حالوت ألخاندور" في المجلد 30 الصفحة 2 -10